آخر المواضيع

Post Top Ad

Your Ad Spot

11‏/12‏/2016

شرح ثلاثة الأصول وأدلتها ( سؤال وجواب )

شـَـرْحُ
ثَلَاثَـةِ الأُصُـوْلِ وأَدلَّتِها
( سؤالٌ وَجَوابٌ )

لفضيلة الشيخ
مُحمَّد بنُ صَالح العُثَيمِين

رحمه الله تعالى


---------------------------
لتحميل الكتاب بصيغة وورد
--( أضغط هنا )--
---------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. وبعد:
فمن المعلوم أن أسلوب السؤال والجواب أحد الأساليب التي تيسِّر لطالب العلم مذاكرة العلم ومراجعته، ولذا كان هذا العمل ضمن سلسلة التسهيل لطالب علم التأصيل.
وقد كان في عملنا الكتاب:
1- تشكيل الآيات وتصحيح الأخطاء الإملائية والطباعية الموجودة في النسخة التي اعتمدناها – النسخة التي أعدّها وخرّج أحاديثها الشيخ فهد السليمان –حفظه الله-، وهي مطبوعة منشورة من قبل دار الثريا في مجلد لطيف بشكل جيد والآيات فيها مشكولة -وإن كانت لا تخلو من الأخطاء المطبعية التي تداركناها في عملنا هذا- ولكن لم نجدها على الشبكة كذلك، فقمنا بخدمتها على النحو الذي بيد يديكم.
2- وضع أسئلة على كل فقرة في شرح الشيخ –رحمه الله-، بدون اختصار له.

هذا ونسأل الله أن يتقبله الله منا بقبول حسن، وأن يوفقنا وإياكم لكل ما يحبه ويرضاه.. آمين.


بسم الله الرحمن الرحيم
سـ1: لِمَ ابتدأ المؤلِّف –رحمه الله- كتابه بالبسملة؟
1-                اقتداء بكتاب الله عز وجل فإنه مبدوء بالبسملة.
2-                واتباعًا لحديث ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر))([1]).
3-                واقتداءًا بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يبدأ كتبه بالبسملة.

سـ2: (بسم) الجار والمجرور متعلِّق بمحذوف، وضِّح هذا المحذوف؟
المحذوف: فعل، مؤخر، مناسب للمقام، تقديره: "بسم الله أكتب" أو "بسم الله أصنف".

سـ3:لِمَ قُدِّر المحذوف فعلا، مؤخَّرًا، مناسبًا؟
-قدرناه فعلاً؛ لأنَّ الأصل في العمل الأفعال.
-وقدرناه مؤخَّرًا لفائدتين:
الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله سبحانه وتعالى.
الثانية: إفادة الحصر؛ لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر.
وقدرناه مناسبًا؛ لأنه أدلّ على المراد، فلو قلنا مثلًا عندما نريد أن نقرأ كتابًا: بسم الله نبتدئ ، ما يدري بماذا نبتدئ، لكن "بسم الله أقرأ" يكون أدل على المراد الذي أبتدئ به.


سـ4: ما معنى اسم "الله"؟
الله: عَلَمٌ على الباري جل وعلا، وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء، حتى إنه في قوله تعالى: ﴿الر * كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [إبراهيم:1-2] لا نقول إن لفظ الجلالة "الله" صفة بل نقول هي "عطف بيان"؛ لئلا يكون لفظ الجلالة تابعًا تبعية النعت للمنعوت.
سـ5: ما معنى اسم الله "الرحمن"، و"الرحيم"؟ وإذا جُمِعا ما الذي يراد بكلٍّ منهما؟
الرحمن: اسم من الأسماء المختصة بالله عز وجل، لا يطلق على غيره، والرحمن معناه: المتصف بالرحمة الواسعة.
الرحيم: يطلق على الله عز وجل وعلى غيره، ومعناه ذو الرحمة الواصلة.
فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة، فإذا جُمِعَا صار المراد بالرحيم: الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده؛ كما قال الله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾[العنكبوت:21].
سـ6: عرِّف العلم؟  
العلم: هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا.
سـ7: كم مرتبة للإدراك؟ عدِّدها مع توضيحها.
مراتب الإدراك ست :
الأولى: العلم، وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.
الثانية: الجهل البسيط وهو عدم الإدراك بالكلية.
الثالثة: الجهل المركب وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه.
الرابعة: الوهم وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح.
الخامسة: الشك وهو إدراك الشيء مع احتمال مساو.
السادسة: الظن وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح.
سـ8: إلى كم قسمٍ ينقسم العلم؟ وضّحهما.
العلم ينقسم إلى قسمين: ضروري، ونظري.
فالضروري: ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًا، بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال، كالعلم بأن النار حارة مثلًا.
والنظري: ما يحتاج إلى نظر واستدلال، كالعلم بوجوب النية في الوضوء.
سـ9: ما معنى دعاء المصنِّف –رحمه الله-: (رحمك الله)؟ وعلى ماذا يدل هذا الصنيع منه –رحمه الله؟
رحمك الله: أفاض عليك من رحمته التي تحصل بها على مطلوبك وتنجو من محذورك ، فالمعنى: غفر الله لك ما مضى من ذنوبك، ووفقك وعصمك فيما يستقبل منها هذا إذا أفردت الرحمة.
أما إذا قرنت بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة والتوفيق للخير والسلامة من الذنوب في المستقبل.
وصنيع المؤلف رحمه الله تعالى يدل على عنايته وشفقته بالمخاطب وقصد الخير له.


سـ10:  علِّل قول المصنِّف –رحمه الله- (يجب علينا تعلُّم أربع مسائل)؟
لأنّ هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى تشمل الدين كله، فهي جديرة بالعناية؛ لعِظم نفعها.
سـ11: ما المراد بـ(معرفة الله)؟ وماذا تستلزم هذه المعرفة؟ وبِمَ تتم؟
أي معرفة الله عز وجل بالقلب، معرفة تستلزم قبول ما شرعه والإذعان والانقياد له، وتحكيم شريعته التي جاء بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ويتعرف العبد على ربه:
- بالنظر في الآيات الشرعية في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
- والنظر في الآيات الكونية؛ التي هي المخلوقات.
فإن الإنسان كلما نظر في تلك الآيات ازداد علماً بخالقه ومعبوده قال الله عز وجل: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات:20-21]
سـ12: ما معنى قول المصنف –رحمه الله-: (معرفة نبيه)؟ وماذا تستلزم هذه المعرفة؟
أي معرفة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المعرفة التي تستلزم قبول ما جاء به من الهدى ودين الحق، وتصديقه فيما أخبر، وامتثال أمره فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتحكيم شريعته، والرضا بحكمه، قال الله عز وجل:﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء:65]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[النور:51] . وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[النساء:الآية59] وقال عز وجل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:الآية63] قال الإمام أحمد رحمه الله: "أتدري ما الفتنة؟ "الفتنة: الشرك، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزَيغ فيهلَك".
سـ13: ما المراد بقول المصنِّف –رحمه الله-: (ومعرفة دين الإسلام)؟
قوله: (معرفة دين الإسلام) الإسلام بالمعنى العام هو: التعبد لله بما شرع منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة؛ كما ذكر عز وجل ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل، قال الله تعالى عن إبراهيم:﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[البقرة:12].
والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يختص بما بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ ما بُعِثَ به النبي صلى الله عليه وسلم نَسَخَ جميع الأديان السابقة، فصار مَن أتبعه مسلمًا ومَن خالفه ليس بمسلم، فأتباع الرسل مسلمون في زمن رسلهم، فاليهود مسلمون في زمن موسى صلى الله عليه وسلم، والنصارى مسلمون في زمن عيسى صلى الله عليه وسلم، وأمّا حين بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين.
وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله النافع لصاحبه قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلَام﴾[آل عمران:الآية19] وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]
وهذا الإسلام هو الإسلام الذي امتن به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمَّته، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا﴾[المائدة:الآية3].
سـ14: قال المصنِّف –رحمه الله-: (ومعرفة دين الإسلام بالأدلة) فما معنى "بالأدلة"؟
قوله (بالأدلة) جمع دليل، وهو ما يرشد إلى المطلوب. والأدلة على معرفة ذلك: سمعية، وعقلية.
فالسمعية: ما ثبت بالوحي وهو الكتاب والسنة.
والعقلية: ما ثبت بالنظر والتأمل. وقد أكثر الله عز وجل من ذكر هذا النوع في كتابه، فكم من آية قال الله فيها: ومِن آياته كذا وكذا، وهكذا يكون سياق الأدلة العقلية الدالة على الله تعالى.
سـ15: ماهي الأدلة التي تتم بها معرفة النبي –صلى الله عليه وسلم-؟
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأدلة السمعية: مثل قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾[الفتح:الآية29]الآية. وقوله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل﴾[آل عمران:الآية144].
وبالأدلة العقلية، بالنظر والتأمل فيما أتى به من الآيات البينات، التي أعظمها كتاب الله عز وجل المشتمل على الأخبار الصادقة النافعة والأحكام المصلحة العادلة، وما جرى على يديه من خوارق العادات، وما أخبر به من أمور الغيب التي لا تصدر إلا عن وحي والتي صدقها ما وقع منها.
سـ16: المسألة الثانية التي أوردها المصنِّف –رحمه الله-: (العمل به) فما المقصود بها؟ وما منزلتها؟
قوله (العمل به) أي العمل بما تقتضيه هذه المعرفة؛ مِن الإيمان بالله والقيام بطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من العبادات الخاصة، والعبادات المتعدية، فالعبادات الخاصة مثل: الصلاة، والصوم، والحج. والعبادات المتعدية: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله وما أشبه ذلك.
والعمل في الحقيقة هو ثمرة العلم، فمَن عمل بلا علم فقد شابه النصارى، ومَن عَلِمَ ولم يعمل فقد شابه اليهود.


سـ17: المسألة الثالثة: (الدعوة إليه)، وضِّح هذه المسألة.
أي الدعوة إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من شريعة الله تعالى على مراتبها الثلاث أو الأربع التي ذكرها الله عز وجل في قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[النحل:الآية125]. والرابعة: قوله: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾[العنكبوت:الآية46].
سـ18: لابد أن تكون الدعوة إلى دين الإسلام عن علمٍ وبصيرة، دلِّل على ذلك، ووضِّح معنى البصيرة، وفِيمَ تكون.
لابد لهذه الدعوة من علم بشريعة الله عز وجل حتى تكون الدعوة عن علم وبصيرة،  لقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108].
والبصيرة تكون:  فيما يدعو إليه؛ بأن يكون الداعية: عالماً بالحكم الشرعي، وفي كيفية الدعوة، وفي حال المدعو.
سـ19: مجالات الدعوة كثيرة، عدِّد بعضًا منها.
مجالات الدعوة كثيرة منها: الدعوة إلى الله تعالى بالخطابة ، وإلقاء المحاضرات، ومنها الدعوة إلى الله بالمقالات، ومنها الدعوة إلى الله بحلقات العلم، ومنها الدعوة إلى الله بالتأليف ونشر الدين عن طريق التأليف، ومنها الدعوة إلى الله في المجالس الخاصة فإذا جلس الإنسان في مجلس في دعوة مثلاً فهذا مجال للدعوة إلى الله عز وجل ولكن ينبغي أن تكون على وجه لا ملل فيه ولا إثقال، ويحصل هذا بأن يعرض الداعية مسألة علمية على الجالسين ثم تبتدئ المناقشة ومعلوم أن المناقشة والسؤال والجواب له دور كبير في فهم ما أنزل الله على رسوله وتفهيمه، وقد يكون أكثر فعالية من إلقاء خطبة أو محاضرة إلقاء مرسلاً كما هو معلوم.
سـ20: للدعوة إلى دين الله منزلة عظيمة، وضِّح هذه المنزلة، وما الجزاء المترتب على القيام بها؟
الدعوة إلى الله عز وجل هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وطريقة من تبعهم بإحسان، فإذا عرف الإنسان معبوده، ونبيه ودينه ومنَّ الله عليه بالتوفيق لذلك؛ فإنّ عليه السَّعي في إنقاذ إخوانه؛ بدعوتهم إلى الله عز وجل، وليبشر بالخير ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبى طالب رضي الله عنه يوم خيبر: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فو الله لأنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمر النعم))([2]) متفق على صحته. ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))([3]). وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم أيضًا: ((مَن دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله))([4]).
سـ21: عرِّف الصبر، واذكر ثمرته، وما واجب الداعية فيه؟ وكيف يحققه؟ موضِّحًا حال نبينا وأنبياء الله – صلوات الله وسلامه عليهم- معه.
الصبر: حبس النفس على طاعة الله ، وحبسها عن معصية الله ، وحبسها عن التسخط من أقدار الله.
فيحبس النفس عن التسخط والتضجر والملل، ويكون دائماً نشيطاً في الدعوة إلى دين الله وإن أوذي؛ لأنّ أذية الداعين إلى الخير من طبيعة البشر، إلا من هدى الله، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾[الأنعام:الآية34].
وكلما قويت الأذية قرب النصر، وليس النصر مختصًا بأن ينصر الإنسان في حياته ويرى أثر دعوته قد تحقق؛ بل النصر يكون ولو بعد موته؛ بأن يجعل الله في قلوب الخلق قبولًا لِمَا دعا إليه وأخذًا به وتمسكًا به؛ فإنّ هذا يعتبر نصرًا لهذا الداعية وإن كان ميتًا.
فعلى الداعية أن يكون صابرًا على دعوته مستمرًا فيها، صابرًا على ما يدعو إليه من دين الله عز وجل صابرًا على ما يعترض دعوته، صابرً اعلى ما يعترضه هو من الأذى.  
وها هم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول وبالفعل قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾[الذاريات:52]، وقال عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾[الفرقان:31]، ولكن على الداعية أن يقابل ذلك بالصبر. وانظر إلى قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً﴾ [الإنسان:23]كان من المنتظَر أن يقال: فاشكر نعمة ربك؛ ولكنه عز وجل قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾[الإنسان:الآية24]، وفي هذا إشارة إلى أنّ كل مَن قام بهذا القرآن فلابد أن يناله ما يناله مما يحتاج إلى صبر، وانظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))([5]) فعلى الداعية أن يكون صابرًا محتسبًا.
سـ22: إلى كم قسمٍ ينقسم الصبر؟ عدِّد هذه الأقسام.
والصبر ثلاثة أقسام:  1-صبر على طاعة الله.  2-صبر عن محارم الله.   3-صبر على أقدار الله التي يجريها، إما مما لا كَسْبَ للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء والاعتداء.


سـ23: ما هو الدليل على وجوب المسائل الأربعة التي ذكرها المصنِّف –رحمه الله-؟ مع تفسيره، وذكْر مراتب جهاد النفس التي تضمنها؛ كما أوضحها ابن القيم –رحمه الله تعالى-.
الدليل على المراتب الأربعة قوله تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر:1-3]. ﴿وَالْعَصْرِ﴾ أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصر؛ الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر، فأقسم الله عز وجل به على أن الإنسان كل الإنسان في خسر إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : جهاد النفس أربع مراتب:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة  إلى الله وأذى الخلق ،ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين".
سـ24: وضِّح دلالة سورة العصر على المسائل الأربعة التي ذكرها المصنِّف –رحمه الله عز وجل.
أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصر على أن كل إنسان فهو في خيبة وخسر مهما كثر ماله وولده وعظم قدره وشرفه إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة:
أحدها: الإيمان، ويشمل كل ما يقرب إلى الله تعالى من اعتقاد صحيح وعلم نافع.
الثاني: العمل الصالح، وهو كل قول أو فعل يقرِّب إلى الله؛ بأن يكون فاعله لله مخلصًا، ولمحمد صلى الله عليه وسلم متبعًا.
الثالث: التواصي بالحق، وهو التواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه.
الرابع: التواصي بالصبر، بأن يوصي بعضهم بعضًا بالصبر على فعل أوامر الله تعالى، وترك محارم الله، وتحمُّل أقدار الله. التواصي بالحق والتواصي بالصبر يتضمنان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بهما قوام الأمة وصلاحها ونصرها وحصول الشرف والفضيلة لها:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران:الآية110].
سـ25: قال الشافعي –رحمه الله- في سورة العصر: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم)، ماذا تعرف عن الشافعي، وما مراده –رحمه الله- بهذا القول؟
الشافعي: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي، ولد في غزة سنة 150 هـ، وتوفي بمصر سنة 204 هـ، وهو أحد الأئمة الأربعة على الجميع رحمة الله تعالى.
ومراده -رحمه الله-: أنَّ هذه السورة كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك، وليس مراده أنّ هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة.
وقوله : "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"؛ لأنّ العاقل البصير إذا سمع هذه السورة أو قرأها فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.


سـ26: ماذا تعرف عن الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-؟ وما الدليل الذي استدل به –رحمه الله- على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل؟ وهل هناك دليل آخر على هذه المسألة؟
البخاري: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، ولد ببخارى في شوال سنة أربعة وتسعين ومائة، ونشأ يتيمًا في حجر والدته، وتوفي رحمه الله في خرتنك بلدة على فرسخين من سمرقند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين.
استدل -رحمه الله- بقوله –تعالى-: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:الآية19] على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل، وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولًا ثم يعمل ثانيًا.
وهناك دليل عقلي نظري يدل على أنّ العلم قبل القول والعمل؛ وذلك لأنّ القول أو العمل لا يكون صحيحًا مقبولًا حتى يكون على وفق الشريعة، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعلم، ولكن هناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته كالعلم بأنّ الله إله واحد فإن هذا قد فطر عليه العبد ولهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلُّم، أمّا المسائل الجزئية المنتشرة فهي التي تحتاج إلى تعلم وتكريس جهود.
سـ27: ذكر المصنِّف –رحمه الله- أن من المسائل التي يجب علينا تعلُّمها: (أنّ الله خلقنا)، دلِّل على ذلك.
دليل ذلك: سمعي، وعقلي.
أما السمعي فكثير ومنه قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ [الأنعام:2]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾[الأعراف:الآية11]الآية، وقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر:26]، وقوله : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾[الروم:20]، وقوله: ﴿خَلَقَ الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾[الرحمن:14]، وقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الزمر:الآية62]،وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:96]، وقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56] إلى غير ذلك من الآيات.
أما الدليل العقلي على أنّ الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور:35] فإنّ الإنسان لم يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئًا، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأنّ كل حادث لا بد له من محدِث؛ ولأنّ وجود هذه المخلوقات على هذا النظام البديع والتناسق المتآلف يمنع منعًا باتًا أن يكون صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟! فتعيَّن بهذا أن يكون الخالق هو الله وحده، فلا خالق ولا آمِر إلا الله، قال الله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾[الأعراف:الآية54].
ولم يُعلَم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾[الطور:35- 37)] وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركًا فقال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أوّل ما وقر الإيمان في قلبي"([6]).
سـ28: ما الدليل على قول المصنِّف –رحمه الله-: (ورزقنا).
أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب، والسنة، والعقل.
أما الكتاب: فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:58]، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾[سـبأ:الآية24]، وقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[يونس:31]. والآيات في هذا كثيرة.
وأما السنة: فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الجنين يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله، وعمله وشقي أم سعيد([7]).
وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا: فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل كما قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة:63-70]. ففي هذه الآيات بيان أن رزقنا طعامًا وشرابًا من عند الله عز وجل.
سـ29: ما الدليل على قول المصنِّف –رحمه الله-: (ولم يتركنا هملًا).
قول المصنف –رحمه الله-: "ولم يتركنا هملًا"؛ هذا هو الواقع الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية.
أما السمعية: فمنها قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [المؤمنون: 115-116]، وقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى* أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة:36-40].
وأما العقل: فلأنّ وجود هذه البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله عز وجل بل هو عبث محض، ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء، هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل.
سـ30: ما معنى قول المصنِّف –رحمه الله-: (بل أرسل إلينا رسولًا) ؟
أي أنّ الله عز وجل أرسل إلينا معشر هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا يتلو علينا آيات ربنا، ويزكينا، ويعلمنا الكتاب والحكمة، كما أرسل إلى من قبلنا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾[فاطر:الآية24]، ولا بد أن يرسل الله الرسل إلى الخلق لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله بما يحبه ويرضاه، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً *وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾[النساء:163-165].
ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لأنهم هم الذين بيَّنوا لنا ما يحبه الله ويرضاه، وما يقربنا إليه عز وجل، فبذلك كان مِن حكمة الله أن أرسل إلى الخلق رسلًا مبشرين ومنذرين، الدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً﴾[المزمل:15-16].
سـ31: ما الدليل على قول المصنِّف –رحمه الله-: (فمن أطاعه دخل الجنة)؟.
هذا حق مستفاد من قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:132-133]، ومن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[النساء:الآية13]، ومن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور:52]، وقوله :﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾[النساء:69]، وقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [لأحزاب:الآية71]، والآيات في ذلك كثيرة. ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) فقيل : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار))([8]).
سـ32: ما الدليل على قول المصنِّف –رحمه الله-: (ومن عصاه دخل النار) ؟
قوله تعالى : ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء:14] وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾[الأحزاب: الآية36]، وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾[الجـن: الآية23]، ومِن قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن عصاني دخل النار)) ([9] ).
سـ33: ما الدليل على قول المصنِّف –رحمه الله-: (أنّ الله لا يرضى أن يُشرَك معه أحد في عبادته، لا ملَك مقرَّب ولا نبي مرسَل) ؟
الدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾ [الجـن:18]، فنهى الله تعالى أن يدعو الإنسان مع الله أحدًا، والله لا ينهى عن شيء إلا وهو لا يرضاه سبحانه وتعالى، وقال الله عز وجل: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: الآية7]، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[التوبة:الآية96]، فالكفر والشرك لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة الكفر والشرك والقضاء عليهما، قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:الآية39]، وإذا كان الله لا يرضى بالكفر والشرك فإنّ الواجب على المؤمن أن لا يرضى بهما؛ لأنّ المؤمن رضاه وغضبه تبع رضا الله وغضبه، فيغضب لما يغضِب الله، ويرضى بما يرضاه الله عز وجل، وكذلك إذا كان الله لا يرضى الكفر ولا الشرك فإنه لا يليق بمؤمن أن يرضى بهما.
سـ34: دلِّل من الكتاب والسنة على خطورة الشرك.
الشرك أمره خطير قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:الآية48]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾[المائدة:الآية72]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار))([10]).
سـ35: تكلم المصنِّف –رحمه الله- عن أصلٍ عظيم جاءت به النصوص الكثيرة؛ حيث قال –رحمه الله-: (الثالثة: أنّ من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب) وأورَد دليلا عليه، اذكره، وأَضِفْ أدلة أخرى، واذكر سبب عدم جواز هذه المولاة.
ذكر المصنف –رحمه الله- قوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المجادلة:22].
ومِن الأدلة أيضًا على هذا الأصل العظيم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ [آل عمران:الآية118]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة:51]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[المائدة:57]، وقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[التوبة:23-24]، وقوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [الممتحنة:4].
وسبب عدم جواز موالاة من حاد الله: لأن موالاة من حاد الله ومداراته تدل على أن ما في قلب الإنسان من الإيمان بالله ورسوله ضعيف؛ لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئاً هو عدو لمحبوبه، وموالاة الكفار تكون بمناصرتهم ومعاونتهم على ما هم عليه من الكفر والضلال ، وموادتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يوادهم أي يطلب ودهم بكل طريق، وهذا لا شك ينافي الإيمان كله أو كماله، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب إليه، وبغضه والبعد عنه ولكن هذا لا يمنع نصيحته ودعوته للحق.
سـ36: اشرح قول المصنِّف –رحمه الله-: (اعلم أرشدك الله  لطاعته: أنّ الحنيفية ملة إبراهيم : أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، ومعنى يعبدون يوحدون).
اعلم ([11])
الرشد: الاستقامة على طريق الحق.
الطاعة: موافقة المراد فعلًا للمأمور وتركًا للمحظور.
الحنيفية: هي الملة المائلة عن الشرك، المبنيّة على الإخلاص لله عز وجل .
مِلَّة إبراهيم: أي طريقه الديني الذي يسير عليه ؛ عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم هو خليل الرحمن قال عز وجل: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾[النساء:الآية125]، هو أبو الأنبياء، وقد تكرر ذكر منهجه في مواضع كثيرة للاقتداء به.
أن تعبد الله: هذه خبر "أن" في قول "أنّ الحنيفية".
-والعبادة بمفهومها العام هي: التذلل لله محبة وتعظيمًا بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه".
-أما المفهوم الخاص للعبادة-يعني تفصيلها-، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف، والخشية، والتوكل والصلاة والزكاة، والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام.
مخلصًا له الدِّين: الإخلاص: هو التنقية والمراد به أن يقصد المرء بعبادته وجه الله عز وجل والوصول إلى دار كرامته، بحيث لا يَعبد معه غيره لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا، قال الله تعالى : ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[النحل:123]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة:130-132].
وبذلك: أي بالحنيفية؛ وهي عبادة الله مخلصاً له الدين، أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25]. وبيَّن الله عز وجل في كتابه أن الخلق إنما خُلِقوا لهذا؛ فقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56].
ومعنى يعبدون يوحِّدون: يعني التوحيد من معنى العبادة، و إلا فقد سبق لك معنى العبادة وعلى أي شيء تطلق وأنها أعم من مجرد التوحيد.
والعبادة نوعان: كونية وشرعية.
سـ37: للعبادة نوعان. وضّحهما، واذكر الفرق بينهما؟
العبادة نوعان:
عبادة كونية: وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى:﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾[مريم:93] فهي شاملة للمؤمن والكافر، و البر والفاجر .
عبادة شرعية: وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي، وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى واتبع ما جاءت به الرسل، مثل قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً﴾ [لفرقان:63].
فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان؛ لأنه بغير فعله، لكن قد يحمد على ما يحصل منه من شكر عند الرخاء وصبر على البلاء، بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه.

سـ38: عرِّف التوحيد لغة واصطلاحًا، مع ذكر ركنَيه.
التوحيد لغة: مصدر وحد يوحد ، أي جعل الشيء واحدًا، وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحَّد وإثباته له، فمثلًا نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده.
وفي الاصطلاح عرفه المؤلف بقوله: "التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئًا، لا تشرك به نبياً مرسلًا، ولا ملكًا مقربًا ولا رئيسًا ولا ملكًا ولا أحدًا من الخلق، بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيمًا، ورغبة ورهبة، ومراد الشيخ رحمه الله التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه؛ لأنه هو الذي حصل به الإخلال من أقوامهم.
وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو: "إفراد الله -سبحانه وتعالى- بما يختص به" .
سـ39: اذكر أنواع التوحيد، مع تعريفها، وذكر أيّ هذه الأنواع ركّز عليه المصنِّف –رحمه الله- في كتابه هذا، ولِمَ؟
أنواع التوحيد ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية، وهو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك والتدبير، قال الله عز وجل: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الزمر:الآية62 ]، وقال تعالى :﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾[فاطر:الآية3]،  وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الملك:1]، وقال تعالى : ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:الآية54].
الثاني: توحيد الألوهية، وهو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدًا يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه.
الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو: إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمَّى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بإثبات ما أثبته ونفي ما نفاه من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
ومراد المؤلف هنا توحيد الألوهية، وهو الذي ضلَّ فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى نساءهم وذريتهم، وأكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾[النحل:الآية36].
 فالعبادة لا تصح إلا لله عز وجل، ومن أخلَّ بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقرَّ بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، فلو فُرِضَ أنّ رجلًا يُقرّ إقرارًا كاملًا بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولكنه يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قربانًا يتقرب به إليه فإنه مشرك كافر خالد في النار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [سورة المائدة: الآية72].
سـ40: لِمَ كان التوحيد أعظم ما أمر الله به، والشرك أعظم ما نهى الله عنه؟ مع الدليل.
 إنما كان التوحيد أعظم ما أمر الله؛ لأنه الأصل الذي ينبني عليه الدين كله، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، وأمر من أرسله للدعوة أن يبدأ به.
وأعظم ما نهى عنه الشرك؛ وذلك لأنَّ أعظم الحقوق هو حق الله عز وجل فإذا فرَّط فيه الإنسان فقد فرَّط في أعظم الحقوق وهو توحيد الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان:الآية13]، وقال تعالى :﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾[النساء:الآية48]، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً﴾[النساء:الآية116] وقال تعالى:﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنصار﴾[المائدة:الآية72]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:الآية48]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الذنب أن تجعل لله ندًا وهو خلقك))([12])، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن جابر، رضي الله عنه: ((مَن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار))([13])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات وهو يدعوا من دون الله ندًا دخل النار))([14] )رواه البخاري.
سـ41: ما الدليل الذي استدل به المؤلف -رحمه الله تعالى- على أمر الله تعالى بالعبادة ونهيه عن الشرك؟ وما الذي يتضمنه؟
قوله عز وجل : ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾[النساء:الآية36]، فأمر الله سبحانه وتعالى بعبادته ونهى عن الشرك به.
 وهذا يتضمن إثبات العبادة له وحده، فمن لم يعبد الله فهو كافر مستكبر، ومَن عبد الله وعبد معه غيره فهو كافر مشرك، ومن عبدالله وحده فهو مسلم مخلص.
سـ42: عدِّد أنواع الشرك، مع تعريف كل نوع.
 الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
فالنوع الأول: الشرك الأكبر، وهو: كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمنًا لخروج الإنسان عن دينه.
النوع الثاني: الشرك الأصغر، وهو :كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يخرج عن الملة.
وعلى الإنسان الحذر من الشرك أكبره وأصغره فقد قال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾[النساء:الآية48].
سـ43: ذكر المصنِّف –رحمه الله- أصولًا ثلاثة هي مدار الكتاب، فما معنى الأصل؟ وما هي هذه الأصول الثلاثة؟ وإلى أي شيء يشير بها المصنِّف –رحمه الله-؟
الأصول: جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرغ منه الأغصان، قال الله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾[إبراهيم:24].
وهذه الأصول الثلاثة هي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه صلى الله عليه وسلم. يشير بها المصنف رحمه الله إلى الأصول التي يسأل عنها الإنسان في قبره :ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك؟
سـ44: قال المصنِّف -رحمه الله-: (فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة)، لِمَ أورد المؤلف رحمه الله تعالى هذه المسألة بصيغة السؤال؟
 ذلك من أجل أن ينتبه الإنسان لها؛ لأنها مسألة عظيمة وأصول كبيرة؛ وإنما قال: إنّ هذه هي الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؛ لأنها هي الأصول التي يسأل عنها المرء في قبره، إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأقعداه فسألاه من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، وأما المرتاب أو المنافق فيقول هاه  هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.
سـ45: ما الأسباب التي تسوقنا لمعرفة الله –عز وجل-؟       
النظر والتفكر في مخلوقاته عز وجل، فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه وتمام قدرته، وحكمته، ورحمته، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾[الأعراف:الآية185]، وقال عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾[سـبأ:الآية46]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آلعمران:190]، وقال عز وجل:﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾[يونس:الآية6]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:164].
ومن أسباب معرفة العبد ربه النظر في آياته الشرعية: وهي الوحي الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فينظر في هذه الآيات وما فيها من المصالح العظيمة التي لا تقوم حياة الخلق في الدنيا ولافي الآخرة إلا بها، فإذا نظر فيها وتأملها وما اشتملت عليه من العلم والحكمة ووجد انتظامها وموافقتها لمصالح العباد عرف بذلك ربه عز وجل، كما قال الله عز وجل : ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾[النساء:82].
ومنها ما يلقي الله عز وجل في قلب المؤمن من معرفة الله سبحانه وتعالى حتى كأنه يرى ربه رأي العين، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- حين سأله جبريل ما الإحسان؟ قال : ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))([15]).
سـ46: ذكر المصنِّف –رحمه الله- أن الأصل الثاني الذي يجب على المسلم معرفته: (دينه)، تكلَّم عن هذا الأصل.
قال المصنف رحمه الله: (ودينه)؛ أي معرفة الأصل الثاني وهو دينه الذي كلف العمل به وما تضمنه من الحكمة والرحمة ومصالح الخلق، ودرء المفاسد عنها.
ودين الإسلام من تأمله حق التأمل تأملًا مبينًا على الكتاب والسنة عرف أنه دين الحق، وأنه الدين الذي لا تقوم مصالح الخلق إلا به.
ولا ينبغي أن نقيس الإسلام بما عليه المسلمون اليوم، فإن المسلمين قد فرطوا في أشياء كثيرة وارتكبوا محاذير عظيمة حتى كأن العائش بينهم في بعض البلاد الإسلامية يعيش في جو غير إسلامي.
والدين الإسلامي-بحمد الله تعالى- متضمن لجميع المصالح التي تضمنتها الأديان السابقة متميز عليها بكونه صالحًا لكل زمان ومكان وأمة، ومعنى كونه صالحًا لكل زمان ومكان وأمة: أن التمسك به لا ينافي مصالح الأمة في أي زمان ومكان وأمة، فدين الإسلام يأمر بكل عمل صالح وينهى عن كل عمل سيء فهو يأمر بكل خلق فاضل، وينهى عن كل خلق سافل.
سـ47: الأصل الثالث الذي يجب على المسلم معرفته: (معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم) وضِّح هذا الأصل.
هذا هو الأصل الثالث وهو معرفة الإنسان نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
وتحصل بدراسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من العبادة، والأخلاق، والدعوة إلى الله عز وجل، والجهاد في سبيله وغير ذلك من جوانب حياته عليه الصلاة والسلام.
 ولهذا ينبغي لكل إنسان يريد أن يزداد معرفة بنبيه وإيمانًا به: أن يطالع من سيرته ما تيسر في حربه وسلمه، وشدته ورخائه، وجميع أحواله. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم، باطنًا وظاهرًا، وأن يتوفانا على ذلك، إنه وليه والقادر عليه.
سـ48: اشرح قول المصنف –رحمه الله-: (فإذا قيل لك مَن ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه، والدليل قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2]).
قوله: (مَن ربك؟) أي مَن هو ربك الذي خلقك ، وأمدك ، وأعدك ، ورزقك .
والتربية: هي عبارة عن الرعاية التي يكون بها تقويم المربَّى. ويُشعِر كلام المؤلف رحمه الله أن الرب مأخوذ من التربية لأنه قال: "الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه"، فكل العالمين قد رباهم الله بنعمه وأعدَّهم لما خُلِقوا له، وأمدهم برزقه، قال الله تبارك وتعالى في محاورة موسى وفرعون: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طـه:49-50]، فكل أحد من العالمين قد رباه الله عز وجل بنعمه.
ونِعَم الله عز وجل على عباده كثيرة لا يمكن حصرها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾[النحل:الآية18]، فالله هو الذي خلقك وأعدك، وأمدك ورزقك فهو وحده المستحق للعبادة.
قوله: (وهو معبودي ليس لي معبود سواه) أي هو الذي أعبده وأتذلل له خضوعًا ومحبة وتعظيمًا، أفعل ما يأمرني به، وأترك ما ينهاني عنه، فليس لي أحد أعبده سوى الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:25]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5].
واستدل المؤلف رحمه الله لكون الله سبحانه وتعالى مربيًا لجميع الخلق بقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] يعني الوصف بالكمال والجلال والعظمة لله تعالى وحده، ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي مربيهم بالنعم وخالقهم ومالكهم، والمدبر لهم كما شاء عز وجل.
سـ49: ما معنى قول المصنف –رحمه الله-: (وأنا واحد من ذلك العالم )؟
العالَم كله من سوى الله ، وسمُّو عالمًا لأنهم عَلَمٌ على خالقهم ومالكهم ومدبرهم ففي كل شيء آية لله تدل على أنه واحد. وأنا المجيب بهذا واحد من ذلك العالَم، وإذا كان ربي وَجَبَ عليَّ أن أعبده وحده.


سـ50: ذكر المصنِّف –رحمه الله- أن العبد يعرف ربه بآياته ومخلوقاته، فما المقصود بالآيات والمخلوقات؟
الآيات: جمع آية، وهي العلامة على الشيء التي تدلُّ عليه وتبيِّنه.
وآيات الله تعالى نوعان: كونية وشرعية.
فالكونية: هي المخلوقات. والشرعية: هي الوحي الذي أنزله الله على رسله.
وعلى هذا يكون قول المؤلف رحمه الله "بآياته ومخلوقاته" من باب عطف الخاص على العام إذا فسرنا الآيات بأنها الآيات الكونية والشرعية. أو من باب عطف المبايِن المغايِر إذا خصصنا الآيات بالآيات الشرعية.
وعلى كلٍّ فالله عز وجل يُعرَف بآياته الكونية وهي المخلوقات العظيمة وما فيها من عجائب الصنعة وبالغ الحكمة، وكذلك يعرف بآياته الشرعية وما فيها من العدل، والاشتمال على المصالح، ودفع المفاسد.
وفي كل شيء له آية
 
تدل على أنه واحد
  
سـ51: ذكر المصنف –رحمه الله- أمثلة على آيات الله ومخلوقاته، تكلَّمْ عن آيتين من هذه الآيات، موضِّحًا على ماذا تدل؟
آيات الله دالة على كمال القدرة، وكمال الحكمة، وكمال الرحمة.
فالشمس آية من آيات الله عز وجل لكونها تسير سيرًا منتظمًا بديعًا منذ خلقها الله عز وجل وإلى أن يأذن الله تعالى بخراب العالم، فهي تسير لمستقر لها كما قال تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾[يـس:38]، وهي من آيات الله تعالى بحجمها وآثارها، أما حجمها فعظيم كبير، وأما آثارها فما يحصل منها من المنافع للأجسام والأشجار والأنهار والبحار وغير ذلك، فإذا نظرنا إلى الشمس هذه الآية العظيمة ما مدى البعد الذي بيننا وبينها مع ذلك فإننا نجد حرارتها هذه الحرارة العظيمة، ثم انظر ماذا يحدث فيها من الإضاءة العظيمة التي يحصل بها توفير أموال كثيرة على الناس فإن الناس في النهار يستغنون عن كل إضاءة ويحصل بها مصلحة كبيرة للناس من توفير أموالهم ويعد هذا من الآيات التي لا ندرك إلا اليسير منها.
كذلك القمر من آيات الله عز وجل حيث قدره منازل لكل ليلة منزلة ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يَس:39]، فهو يبدو صغيرًا ثم يكبر رويدًا رويدًا حتى يكمل ثم يعود إلى النقص، وهو يشبه الإنسان حيث أنه يخلق من ضعف ثم لايزال يترقى من قوة إلى قوة حتى يعود إلى الضعف مرة أخرى، فتبارك الله أحسن الخالقين.
سـ52: أورد المصنِّف –رحمه الله- دليلين على أن الليل والنهار والشمس والقمر من آيات الله الدالة عليه سبحانه، بيِّن ما تضمنهما هذان الدليلان من فوائد وشواهد للتوحيد.
قال المصنِّف –رحمه الله-: والدليل قوله تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[فصلت:37] أي أنّ من العلامات البيِّنة المبيِّنة لمدلولها الليل والنهار في ذاتهما واختلافهما، وما أودع الله فيهما من مصالح العباد وتقلبات أحوالهم، وكذلك الشمس والقمر في ذاتهما وسيرهما وانتظامهما وما يحصل بذلك من مصالح العباد ودفع مضارهم.
ثم نهى الله تعالى العباد أن يسجدوا للشمس أو القمر وإن بلغا مبلغًا عظيمًا في نفوسهم؛ لأنهما لا يستحقان العبادة لكونها مخلوقَين، وإنما المستحق للعبادة هو الله تعالى الذي خلقهن.
وقوله تعالى:﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:54].
 في هذه الآية من آيات الله ما يلي:
أولًا: أن الله خلق هذه المخلوقات العظيمة في ستة أيام ولو شاء لخلقها بلحظة ولكنه ربط المسببات بأسبابها كما تقتضيه حكمته .
ثانيًا: أنه استوى على العرش؛ أي علا عليه علوًا خاصًا به كما يليق بجلاله وعظمته، وهذا عنوان كمال الملك والسلطان.
ثالثاً: أنه يغشي الليل النهار، أن يجعل الليل غشاء للنهار، أي غطاء له، فهو كالثوب يسدل على ضوء النهار فيغطيه.
رابعًا: أنه جعل الشمس والقمر والنجوم مذللات بأمره جل سلطانه يأمرهن بما يشاء لمصلحة العباد .
خامسًا: عموم ملكه وتمام سلطانه حيث كان له الخلق والأمر لا لغيره.
سادسًا: عموم ربوبيته للعالمين كلهم.
سـ53: ما معنى قول المصنِّف: (والرب هو المعبود)؟ وما الدليل الذي أورده –رحمه الله- على ذلك؟ مع شرحه.
قوله –رحمه الله-: (والرب هو المعبود) أي هو الذي يستحق أن يُعبَد، أو هو الذي يُعبَد لاستحقاقه للعبادة، وليس المعنى أن كل من عُبِدَ فهو رب؛ فالآلهة التي تُعبَد من دون الله واتخذها عُبَّادها أربابًا من دون الله ليست أربابًا. والرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور .
والدليل على أن الرب هو المستحق للعبادة قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:21-22] النداء موجَّه لجميع الناس من بني آدم، أمرهم الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له، فلا يجعلوا له أندادًا، ويُبيِّن أنه إنما استحق العبادة؛ لكونه هو الخالق وحده لا شريك له.
قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ هذه صفة كاشفة تعلِّل ما سبق؛ أي اعبدوه لأنه ربكم الذي خلقكم؛ فمن أجل كونه الرب الخالق كان لزامًا عليكم أن تعبدوه، ولهذا نقول: يلزم كل من أقرَّ بربوبية الله أن يعبده وحده و إلا كان متناقضًا.
قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي من أجل أن تحصلوا على التقوى، والتقوى: هي اتخاذ وقاية من عذاب الله عز وجل؛ باتباع أوامره واجتناب نواهيه.
قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً﴾ أي جعلها فراشًا ومهادًا نستمتع فيها من غير مشقة ولا تعب كما ينام الإنسان على فراشه.
قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ أي فوقنا؛ لأن البناء يصير فوق السماء بناء لأهل الأرض، وهي سقف محفوظ كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾[الأنبياء:32].
وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أي أنزل من العلو من السحاب ماء طهورًا، كما قال تعالى: ﴿لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾[النحل:الآية10] .
وقوله: ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ أي عطاء لكم، وفي آية أخرى: ﴿مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾[النازعـات:33].
وقوله: ﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً﴾ أي لا تجعلوا لهذا الذي خلقكم، وخلق الذين من قبلكم، وجعل لكم الأرض فراشًا والسماء بناء، وأنزل لكم من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم، لا تجعلوا له أندادًا تعبدونها كما تعبدون الله، أو تحبونها كما تحبون الله، فإن ذلك غير لائق بكم لا عقلًا ولا شرعًا.
وقوله: ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي تعلمون أنه لا نِدَّ له، وأنه بيده الخلق والرزق والتدبير، فلا تجعلوا له شريكًا في العبادة.
سـ54: بعد ذكر الأدلة على بعض آيات الله الدالة عليه –سبحانه، ذكر المصنف –رحمه الله- قولًا لابن كثير –رحمه الله- اذكره، واذكر ما تعرفه عن هذا العالم الجليل؟
قال ابن كثير –رحمه الله-: "الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ".
وابن كثير –رحمه الله- هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي، الحافظ المشهور صاحب التفسير والتاريخ، من تلاميذ شيخ الإسلام بن تيمية، توفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة من الهجرة.
سـ55: بعد أن بيَّن المؤلف -رحمه الله تعالى- أنّ الواجب علينا أن نعبد الله وحده لا شريك له، بيَّن بعد ذلك شيئًا من أنواع العبادة اذكرها والدليل عليها.
قال –رحمه الله-: وأنواع العبادة مثل الإسلام، والإيمان، والإحسان، وهذه الثلاثة: "الإسلام، والإيمان، والإحسان" هي الدين؛ كما جاء ذلك فيما رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- قال: ((بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ َإِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيْمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا))، قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيْمَانِ؟ قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكًُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))، قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فِإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: ((مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بَأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ))، قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشِّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ))، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْنَا مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: ((يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلَ؟)) قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِمُكُمْ دِيْنَكُمْ))([16]) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء هي الدين؛ وذلك أنها متضمِّنة للدين كله.
سـ56: ذكر المؤلف رحمه الله تعالى جملة من أنواع العبادة، وذكر أنّ من صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك كافر، واستدل بقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون:117]، فما وجه الدلالة من الآيتين؟
ووجه الدلالة من الآية الأولى: أنّ الله تعالى أخبر أن المساجِد -وهي مواضع السجود أو أعضاء السجود- لله، ورتَّب على ذلك قوله: ﴿فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ أي لا تعبدوا معه غيره فتسجدوا له.
 ووجه الدلالة من الآية الثانية: بأن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن من يدعو مع الله إلها آخر فإنه كافر؛ لأنه قال: ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، وفي قوله: ﴿لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ إشارة إلى أنه لا يمكن أن يكون برهان على تعدُّد الآلهة، فهذه الصفة "لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ" صفة كاشفة، مبيِّنة للأمر، وليست صفة مقيِّدة تُخرِج ما فيه برهانٌ؛ لأنه لا يمكن أن يكون برهان على أن مع الله إلهًا آخر.
سـ57: استدل المصنف –رحمه الله- على أن الدعاء عبادة لله بما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الدعاء مخ العبادة))، واستدل كذلك بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60] فما صحة الحديث، وما وجه الدلالة من الآية؟
أما حديث: ((الدعاء مخ العبادة)) فهو ضعيف، وهناك حديث آخر صحيح يقوم مقامه وهو حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)). [هذه فائدة ليست موجودة في شرح الشيخ –رحمه الله- وإنما إضافة من معدّ هذا العمل].
وأما وجه دلالة الآية الكريمة، أنها دلت على أن الدعاء من العبادة ولولا ذلك ما صح أن يقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
 فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر، سواء كان المدعو حيًا أو ميتًا، ومن دعا حيًا بما يقدر عليه مثل أن يقول: يا فلان أطعمني ، يا فلان اسقني، فلا شيء فيه، ومن دعا ميتاً أو غائبًا بمثل هذا فإنه مشرك؛ لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا، فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفًا في الكون؛ فيكون بذلك مشركًا.
س58: اذكر أنواع الدعاء مع تعريف كل نوع وبيان الأحكام المتعلقة به.
الدعاء نوعان: دعاء مسألة، ودعاء عبادة.
-فدعاء المسألة: هو دعاء الطلب، أي طلب الحاجات.
 وهو عبادة إذا كان من العبد لربه؛ لأنه يتضمن الافتقار إلى الله تعالى، واللجوء إليه، واعتقاد أنه قادر كريم واسع الفضل والرحمة.
 ويجوز إذا صدر من العبد لمثله من المخلوقين إذا كان المدعو يعقل الدعاء ويقدر على الإجابة، كما سبق في قوله القائل: يا فلان أطعمني.
-وأما دعاء العبادة فأن يتعبد به للمدعو طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه.
وهذا لا يصح لغير الله، وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج عن الملة، وعليه يقع الوعيد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:الآية60] . 
سـ59: عرِّف الخوف، واذكر أنواعه، وحكم كل نوع.
الخوف: هو الذعر، وهو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن خوف أولياء الشيطان وأمر بخوفه وحده. والخوف ثلاثة أنواع:
-النوع الأولى: خوف طبيعي، كخوف الإنسان من السبع والنار والغرق، وهذا لا يلام عليه العبد، قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾[القصص:الآية18].
 لكن إذا كان هذا الخوف -كما ذكر الشيخ رحمه الله- سببًا لترك واجب و فعل محرم كان حرامًا؛ لأنّ ما كان سببًا لترك واجب أو فعل محرم فهو حرام ودليله قوله تعالى: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران:الآية175].
والخوف من الله تعالى يكون محمودًا ،ويكون غير محمود .
فالمحمود ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله، بحيث يحملك على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن وغلب عليه الفرح بنعمة الله، والرجاء لثوابه.
وغير المحمود ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط، وحينئذ يتحسر العبد وينكمش وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه.
-النوع الثاني: خوف العبادة، أن يخاف أحدًا يتعبد بالخوف له، فهذا لا يكون إلا لله تعالى. وصرفه لغير الله تعالى شرك أكبر.
-النوع الثالث: خوف السر ،كأن يخاف صاحب القبر، أو وليًا بعيدًا عنه لا يؤثر فيه لكنه يخافه مخافة سر؛ فهذا أيضًا ذكره العلماء من الشرك.


سـ60: عرِّف الرجاء، واذكر دليله وأحكامه ومتى يكون محمودًا ومتى يكون مذمومًا.
الرجاء: طمع الإنسان في أمر قريب المنال، وقد يكون في بعيد المنال؛ تنزيلًا له منزلة القريب.
-والرجاء المتضمن للذل والخضوع لا يكون إلا لله عز وجل، وصرفه لغير الله تعالى شرك؛ إما اصغر، وإما أكبر، بحسب ما يقوم بقلب الراجي.
وقد استدل المؤلف بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ [الكهف:الآية110].
 والرجاء المحمود لا يكون إلا لمن عمل بطاعة الله ورجا ثوابها، أو تاب من معصيته ورجا قبول توبته. وأما الرجاء بلا عمل فهو غرور وتمن مذموم.
سـ61: عرِّف التوكُّل، واذكر دليله وأنواعه وحكم كل نوع.
التوكل على الشيء: الاعتماد عليه.
والتوكل على الله تعالى: الاعتماد على الله تعالى كفايةً وحسبًا في جلب المنافع ودفع المضار.
 وهو من تمام الإيمان وعلاماته لقوله تعالى:﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:الآية23]، وإذا صدق العبد في اعتماده على الله تعالى كفاه الله تعالى ما أهمَّه لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[الطلاق:الآية3] أي كافيه، ثم طمأن المتوكل بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾[الطلاق:الآية3]. فلا يعجزه شيء أراده.
والتوكل أنواع:
الأول: التوكل على الله تعالى، وهو من تمام الإيمان وعلامات صدقه، وهو واجب لا يتم الإيمان إلا به وسبق دليله.
الثاني: توكل السر، بأن يعتمد على ميت في جلب منفعة أو دفع مضرة، فهذا شرك أكبر؛ لأنه لا يقع إلا ممن يعتقد أن لهذا الميت تصرفًا سريًا في الكون، ولا فرق بين أن يكون نبيًا أو وليًا، أو طاغوتًا عدوا لله تعالى.
الثالث: التوكل على الغير فيما يتصرف فيه الغير، مع الشعور بعلو مرتبته وانحطاط مرتبة المتوكل عنه، مثل أن يعتمد عليه في حصول المعاش ونحوه، فهذا نوع من الشرك الأصغر؛ لقوة تعلُّق القلب به والاعتماد عليه. أما لو اعتمد عليه على أنه سبب وأن الله تعالى هو الذي قدر ذلك على يده فإن ذلك لا بأس به، إذا كان للمتوكل عليه أثر صحيح في حصوله.
الرابع: التوكل على الغير فيما يتصرف فيه المتوكل، بحيث ينيب غيره في أمر تجوز فيه النيابة، فهذا لا بأس به بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.
فقد قال يعقوب لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾[يوسف:الآية87].
ووكَّل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة عمَّالًا وحفاظاً، ووكَّل في إثبات الحدود وإقامتها، ووكَّل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هديه في حجة الوداع أن يتصدق بجلودها وجلالها، وأن ينحر ما بقى من المئة بعد أن نحر -صلى الله عليه وسلم- بيده ثلاثًا وستين.
وأما الإجماع على جواز ذلك فمعلوم من حيث الجملة.
سـ62: عرِّف الرغبة، والرهبة، والخشوع، مع ذكر الدليل، وتوضيح الواجب
الرغبة: محبة الوصول إلى الشيء المحبوب.
الرهبة: الخوف المثمر للهرب من المخوف، فهي خوف مقرون بعمل.
الخشوع: الذل والتَّطامُن لعظمة الله، بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي.
ودليل الرغبة والرهبة قوله تعالى:﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[سورة الأنبياء، الآية: 90].
ودليل الخشية قوله تعالى: ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾[سورة البقرة، الآية: 150]
سـ63: مَن هم الموصوفون في هذه الآية الكريمة: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾، وهل الدعاء هنا دعاء عبادة أم دعاء مسألة؟
 في هذه الآية الكريمة وصف الله تعالى الخُلَّص من عباده بأنهم يدعون الله تعالى رغبًا ورهبًا مع الخشوع له.
والدعاء هنا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، فهم يدعون الله رغبة فيما عنده وطمعًا في ثوابه مع خوفهم من عقابه وآثار ذنوبهم.
سـ64: كيف ينبغي للمؤمن أن يسعى إلى الله، بالخوف أم بالرجاء؟ اذكر أقوال العلماء في ذلك.
المؤمن ينبغي أن يسعى إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، ويغلب الرجاء في جانب الطاعة لينشط عليها ويؤمل قبولها، ويغلب الخوف إذا هم بالمعصية ليهرب منها وينجو من عقابها.
وقال بعض العلماء: يغلب جانب الرجاء في حال المرض وجانب الخوف في حال الصحة؛ لأن المريض منكسر ضعيف النفس وعسى أن يكون قد اقترب أجله فيموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل، وفي حال الصحة يكون نشيطًا مؤمِّلًا طول البقاء فيحمله ذلك على الأَشَرِ والبطر فيغلب جانب الخوف ليسلم من ذلك.
وقيل يكون رجاؤه وخوفه واحدًا سواء لئلا يحمله الرجاء على الأمن من مكر الله، والخوف على اليأس من رحمة الله تعالى، وكلاهما قبيح مهلك لصاحبه.


سـ65: عرِّف الخشية، وما هي أحكامها؟ وما الفرق بينها وبين الخوف؟ وضِّح بمثال.
الخشية: هي الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:الآية28]،أي العلماء بعظمته وكمال سلطانه، فهي أخص من الخوف، ويتضح الفرق بينهما بالمثال، فإذا خفت من شخص لا تدري هل هو قادر عليك أم لا فهذا خوف، وإذا خفت من شخص تعلم أنه قادر عليك فهذه خشية.
ويقال في أقسام أحكام الخشية ما يقال في أقسام أحكام الخوف.
سـ66: ما الفرق بين الخوف والرهبة والخشية؟
الخوف: هو الذعر، وهو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى.
الرهبة: الخوف المثمر للهرب من المخوف، فهي خوف مقرون بعمل.
الخشية: الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:الآية28].
سـ67: عرِّف الإنابة، واذكر حكمها ودليلها، ووضِّح الفرق بينها وبين التوبة.
الإنابة: الرجوع إلى الله تعالى؛ بالقيام بطاعته واجتناب معصيته.
وهي قريبة من معنى التوبة، إلا أنها أرق منها؛ لِمَا تُشعِر به من الاعتماد على الله واللجوء إليه.
 ولا تكون إلا لله تعالى ودليلها قوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾[الزمر:الآية54].
سـ68: ورد في دليل الإنابة أمْر الله –عز وجل- عباده بالاستسلام له، اذكر هذا الدليل، ووضِّح المقصود بالاستسلام؟
دليل الإنابة قوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾[الزمر:الآية54].
والمراد بقوله تعالى: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ الإسلام الشرعي، وهو الاستسلام لأحكام الله الشرعية؛ وذلك أن الإسلام لله تعالى نوعان:
الأول: إسلام كوني، وهو الاستسلام لحكمه الكوني، وهذا عام لكل من في السموات والأرض من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، لا يمكن لأحد أن يستكبر عنه، ودليله قوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[آل عمران:الآية83] .
الثاني: إسلام شرعي، وهو الاستسلام لحكمه الشرعي. وهذا خاص بمن قام بطاعته من الرسل وأتباعهم بإحسان، ودليله في القرآن كثير ومنه هذه الآية التي ذكرها المؤلف رحمه الله.
سـ69: عرِّف الاستعانة، واذكر دليلها وأحكامها.
الاستعانة: طلب العون.
ودليل الاستعانة قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]، وفي الحديث: ((إذا استعنت فاستعن بالله))([17]).
وهي أنواع:
الأول: الاستعانة بالله، وهي: الاستعانة المتضمنة لكمال الذل من العبد لربه وتفويض الأمر إليه، واعتقاد كفايته، وهذه لا تكون إلا لله تعالى، ودليلها قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، ووجه الاختصاص: أن الله تعالى قدَّم المعمول ﴿إياك﴾، وقاعدة اللغة التي نزل بها القرآن: أنّ تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والاختصاص، وعلى هذا يكون صرف هذا النوع لغير الله تعالى شركًا مخرجًا عن الملة. ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا استعنت فاستعن بالله)).
الثاني: الاستعانة بالمخلوق على أمر يقدر عليه، فهذه على حسب المستعان عليه، فإن كانت على برٍّ فهي جائزة للمستعين، مشروعة للمعين؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة:الآية2].
وإن كانت على إثم؛ فهي حرام على المستعين والمعين، لقوله تعالى: ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:الآية2].
وإن كانت على مباح؛ فهي جائزة للمستعين والمعين، لكن المعِين قد يثاب على ذلك ثواب الإحسان إلى الغير ومن ثم تكون في حقه مشروعة؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة:الآية195].
الثالث: الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر؛ فهذه لغو لا طائل تحتها، مثل أن يستعين بشخص ضعيف على حمل شيء ثقيل.
الرابع: الاستعانة بالأموات مطلقًا، أو بالأحياء على أمر غائب لا يقدرون على مباشرته، فهذا شرك؛ لأنه لا يقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا خفيًا في الكون.
الخامس: الاستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى، وهذه مشروعة بأمر الله تعالى في قوله: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾[البقرة:الآية153].
سـ70: عرف الاستعاذة، واذكر أنواعها وأحاكمها مع الدليل.
الاستعاذة: طلب الإعاذة، والإعاذة: الحماية من مكروه، فالمستعيذ محتم بمن استعاذ به ومعتصم به.
والاستعاذة أنواع:
الأول: الاستعاذة بالله تعالى وهي المتضمنة لكمال الافتقار إليه والاعتصام به واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شيء حاضر أو مستقبل، صغير أو كبير ، بشر أو غير بشر، ودليلها قوله تعالى:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق:2] إلى آخر السورة، وقوله تعالى:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾ [الناس:1-4] إلى آخر السورة.
الثاني: الاستعاذة بصفة من صفاته ككلامه وعظمته وعزته ونحو ذلك، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق))([18]) وقوله: ((أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي))([19])، وقوله: في دعاء الألم: ((أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر))([20])، وقوله: ((أعوذ برضاك من سخطك))([21])، وقوله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ﴾[الأنعام:الآية65] فقال: ((أعوذ بوجهك))([22]).
الثالث: الاستعاذة بالأموات، أو الأحياء غير الحاضرين القادرين على العوذ؛ فهذا شرك، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً﴾[الجـن:6].
الرابع: الاستعاذة بما يمكن العوذ به من المخلوقين من البشر أو الأماكن أو غيرها؛ فهذا جائز، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر الفتن: ((من تَشرَّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليَعُذْ به))([23]) متفق عليه. وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم هذا الملجأ والمعاذ بقوله: ((فمن كان له إبل فليلحق بإبله)) الحديث رواه مسلم، وفي صحيحه أيضًا عن جابر رضي الله عنه أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأُتِيَ بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذَتْ بأم سلمة([24]) الحديث. وفي صحيحه أيضًا عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث))([25])الحديث.
ولكن إن استعاذ من شر ظالم وجب إيواؤه وإعاذته بقدر الإمكان، وإن استعاذ ليتوصل إلى فعل محظور أو الهرب من واجب حرم إيواؤه.
سـ71: عرِّف الاستغاثة، واذكر أقسامها مع الدليل.
الاستغاثة: طلب الغوث وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك. وهو أقسام:
الأول: الاستغاثة بالله عز وجل، وهذا من أفضل الأعمال وأكملها، وهو دأب الرسل وأتباعهم، ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾[الأنفال: الآية:9]، وكان ذلك في غزوة بدر حين نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين في ألف رجل، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، فدخل العريش يناشد ربه عز وجل رافعًا يديه مستقبل القبلة يقول: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض))([26])، وما زال يستغيث بربه رافعًا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه، وقال: "يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك"، فأنزل الله هذه الآية.
الثاني: الاستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة؛ فهذا شرك؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا خفيًا في الكون فيجعل لهم حظًا من الربوبية قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل:62].
الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة؛ فهذا جائز، كالاستعانة بهم قال الله تعالى في قصة موسى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾[القصص:الآية15].
الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية، مثل أن يستغيث الغريق برجل مشلول؛ فهذا لغو وسخرية بمن استغاث به، فيُمنَع منه لهذه العلة، ولعلة أخرى: وهي الغريق ربما اغتر بذلك غيرُه فتوهم أن لهذا المشلول قوة خفية ينقذ بها من الشدة.
سـ72: عرِّف الذبح، واذكر أوجهه.
الذبح: إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه
الأول: أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه؛ فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر، ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله وهو قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لا شَرِيكَ لَهُ﴾ .
الثاني: أن يقع إكرامًا لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوبًا أو استحبابًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))([27])، وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: ((أَولِم ولو بشاة))([28]).
الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك؛ فهذا من قسم المباح، فالأصل فيه الإباحة؛ لقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ* وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس:71-72]، وقد يكون مطلوبًا أو منهيًا عنه حسبما يكون وسيلة له.
سـ73: اذكر الآية التي أوردها المصنِّف –رحمه الله- دليلا على أن النذر عبادة؟ وما وجه الدلالة من الآية؟ وما المقصود بالنذر في الآية هل هو النذر العام أم الخاص؟ موضِّحًا هذين النوعين.
دليل كون النذر من العبادة قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾[الإنسان:7]
ووجه الدلالة من الآية: أن الله أثنى عليهم لإيفائهم النذر، وهذا يدل على أن الله يحب ذلك، وكل محبوب لله من الأعمال فهو عبادة، ويؤيد ذلك قوله : ﴿وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾ .
والنذر الذي امتدح الله تعالى هؤلاء القائمين به هو جميع العبادات التي فرضها الله عز وجل، فإن العبادات الواجبة إذا شرع فيها الإنسان فقد التزم بها، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج:29].
والنذر الذي هو إلزام الإنسان نفسه بشيء ما أو طاعة لله غير واجبة؛ مكروه، وقال بعض العلماء إنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستخرَج به من البخيل))([29])، ومع ذلك فإذا نذر الإنسان طاعة لله وجب عليه فعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَن نذر أن يطيع الله فليطعه))([30]).
والخلاصة أن النذر يطلق على العبادات المفروضة عمومًا، ويطلق على النذر الخاص وهو إلزام الإنسان نفسه بشيء لله عز وجل. وقد قسم العلماء النذر الخاص إلى أقسام ومحل بسطها كتب الفقه.
  سـ 74: من الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها "دين الإسلام" عرِّف الإسلام، واشرح التعريف.
الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، فهو متضمن لأمور ثلاثة.
 أي بأن يستسلم العبد لربه استسلاما شرعيًا وذلك بتوحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة، وهذا الإسلام هو الذي يحمد عليه العبد ويثاب عليه، أما الاستسلام القدري فلا ثواب فيه؛ لأنه لا حيلة للإنسان فيه قال الله تعالى ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[آل عمران:83] .
(والانقياد له بالطاعة) وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأنّ الطاعة طاعة في الأمر بفعله وطاعة في النهي بتركه.
(البراءة من الشرك وأهله) أي أن يتبرأ منه، ويتخلى منه؛ وهذا يستلزم البراءة من أهله قال الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [الممتحنة:4].


سـ75: بيّن المؤلف -رحمه الله تعالى- أن الدين الإسلامي ثلاث مراتب بعضها فوق بعض وهي الإسلام، والإيمان ، والإحسان. فما الدليل على ذلك؟
دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء جبريل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإحسان وبيَّن له صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))([31]).
سـ76: ذكر المصنِّف –رحمه الله- أن أركان الإسلام خمسة، دلِّل على ذلك.
دليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((بُنِيَ الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام))([32]).
سـ77: اذكر دليل الشهادة، مع توضيحه.
دليل الشهادة قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18].
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ركن واحد، وإنما كانتا ركنًا واحدًا مع أنهما من شقين؛ لأنّ العبادات تنبني على تحقيقهما معًا، فلا تُقبَل العبادة إلا بالإخلاص لله عز وجل؛ وهو ما تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهو ما تتضمنه شهادة أن محمدًا رسول الله .
في الآية الكريمة شهادة الله لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وشهادة الملائكة وشهادة أهل العلم بذلك وأنه تعالى قائم بالقسط أي العدل ثم قرر ذلك بقوله : ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأهل العلم حيث أخبر أنهم شهداء معه ومع الملائكة والمراد بهم أولو العلم بشريعته ويدخل فيهم دخولاً أولياً رسله الكرام.
وهذه الشهادة أعظم شهادة لعظم الشاهد والمشهود به، فالشاهد هو الله وملائكته، وأولو العلم ، والمشهود به توحيد الله في ألوهيته وتقرير ذلك ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
سـ78: وضِّح معنى لا إله إلا الله، وكيف يُرَدّ على من أشكل عليه كيف يقال  "لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدوها آلهة؟
معنى لا إله إلا الله ألا معبود بحق إلا الله.
فشهادة أن لا إله إلا الله: أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل؛ لأنه "إله" بمعنى مألوه، والتأله التعبد.
وجملة "لا إله إلا الله" مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو "لا إله" وأما الإثبات فهو "إلا الله".
و"الله" لفظ الجلالة بدل من خبر "لا" المحذوف والتقدير "لا إله حق إلا الله"، وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق" يتبين الجواب عن الإشكال التالي: وهو كيف يقال "لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدوها آلهة قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾[هود:الآية101]، وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله عز وجل والرسل يقولون لأقوامهم ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:الآية59].
 والجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله" فنقول: هذه الآلهة التي تُعبَد من دون الله هي آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج:62]، ويدل لذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [لنجم:19-23]، وقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام : ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾[يوسف:الآية40]، إذن فمعنى "لا إله إلا الله" لا معبود حق إلا الله عز وجل، فأما المعبودات سواه فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة أي ألوهية باطلة.
سـ79: أورد المصنِّف –رحمه الله- آيتين من كتاب الله في تفسير التوحيد، اذكرهما مع الشرح.
-الآية الأولى: قوله –تعالى-: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: الآية 28].
(إبراهيم) هو خليل الله إمام الحنفاء، وأفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وأبوه آزر .
(براء) صفة مشبهة بالبراءة، وهي أبلغ من بريء. وقوله :﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ يوافي قول " لا إله".
﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ أي خلقني ابتداء على الفطرة، وقوله:﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ يوافي قوله "إلا الله"، فهو سبحانه وتعالى لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:الآية54]، ففي هذه الآية حصر الخلق والأمر لله رب العالمين وحده فله الخلق وله الأمر الكوني والشرعي.
﴿سَيَهْدِينِ﴾ سيدلني على الحق ويوفقني له.
﴿وَجَعَلَهَا﴾ أي هذه الكلمة وهي البراءة من كل معبود سوى الله.
﴿فِي عَقِبِهِ﴾ في ذريته.
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي إليها من الشرك.
-الآية الثانية: قوله –تعالى-: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لمناظرة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ هذه الكلمة هي ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضانا بعضًا أربابًا من دون الله فلا نعبد إلا الله هي معنى "لا إله إلا الله"، ومعنى ﴿سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ أننا نحن وإياكم سواء فيها.
﴿وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي لا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله عز وجل بحيث يعظَّم كما يعظَّم الله عز وجل، ويعبَد كما يعبَد الله، ويُجعَل الحكم لغيره.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أعرضوا عما دعوتموهم إليه.
﴿فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ أي فأعلنوا لهم وأشهدوهم أنكم مسلمون لله، بريئون مما هم عليه من العناد والتولي عن هذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله".
سـ80: أورد المصنف –رحمه الله- دليلا لشهادة أن محمدا رسول الله، اذكره، مع شرحه.
دليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ  بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾[ التوبة:128]
قوله ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي من جنسكم بل هو من بينكم أيضًا كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2].
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾أي يشق عليه ما شق عليكم.
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي على منفعتكم ودفع الضر عنكم.
﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ أي ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين، وخص المؤمنين بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، وهذه الأوصاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه رسول الله حقًا كما دل على ذلك قوله تعالى : ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾[الفتح:الآية29] وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾[الأعراف:الآية158]، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا تدل على أن محمدًا رسول الله حقًا.
سـ81: ما معنى شهادة أن محمدًا رسول الله؟ وما مقتضى هذه الشهادة؟
معنى شهادة "أن محمداً رسول الله: هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله - عز وجل - إلى جميع الخلق من الجن والإنس؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [الفرقان:1].
ومقتضى هذه الشهادة:
1-أن تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع.
 2-ومقتضى هذه الشهادة أيضًا: أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا في الربوبية وتصريف الكون، أو حًقا في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يُعبَد، ورسول لا يُكذَّب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا من النفع أو الضر إلا ما شاء الله؛ كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾[الأنعام:الآية50]، فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾[الجـن:21-22]، وقال سبحانه : ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف:188]. وبهذا تعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام:162-163]، وأن حقه صلى الله عليه وسلم أن تنزله المنزلة التي أنزله الله تعالى إياها؛ وهو أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.
سـ82: ما هو دليل الصلاة والزكاة الذي أورده المصنّف –رحمه الله-؟ اذكره مع شرحه وتوضيح دلالته على التوحيد.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]، وهذه الآية عامة شاملة لجميع أنواع العبادة فلا بد أن يكون الإنسان فيها مخلصًا لله عز وجل حنيفًا متبعًا لشريعته.
﴿إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ هذا من باب عطف الخاص على العام، لأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من العبادة، ولكنه سبحانه وتعالى نصَّ عليهما لما لهما من الأهمية، فالصلاة عبادة البدن، والزكاة عبادة المال، وهما قرينتان في كتاب الله عز وجل.
﴿ذَلِكَ﴾ أي عبادة الله مخلصين له الدين حنفاء، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
﴿دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ أي دين الملة القيمة التي لا اعوجاج فيها؛ لأنها دين الله عز وجل ودين الله مستقيم؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:153].
وهذه الآية الكريمة كما تضمنت ذكر العبادة والصلاة فقد تضمنت حقيقة التوحيد وأنه الإخلاص لله عز وجل من غير ميل إلى الشرك ، فمن لم يخلص لله لم يكن موحدًا، ومن جعل عبادته لغير الله لم يكن موحدًا .
سـ83: أورَد المصنِّف –رحمه الله- دليلًا على وجوب الصيام، اذكر هذا الدليل والفوائد التي تضمنها؛ كما ذكرها الشارح –رحمه الله-.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183].
بيَّن الله عز وجل في هذه الآية حكمة الصيام بقوله ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي تتقون الله بصيامكم وما يترتب عليه من خصال التقوى، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الفائدة بقوله: ((مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))([33]).
وفي قوله –تعالى-: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ فوائد:
أولًا: أهمية الصيام حيث فرضه الله عز وجل على الأمم من قبلنا، وهذا يدل على محبة الله عز وجل له وأنه لازم لكل أمة.
ثانيًا: التخفيف على هذه الأمة، حيث إنها لم تكلف وحدها بالصيام الذي قد يكون فيه مشقة على النفوس والأبدان.
ثالثًا: الإشارة إلى أن الله تعالى أكمل لهذه الأمة دينها حيث أكمل لها الفضائل التي سبقت لغيرها.


سـ84: متى فُرِض الحج؟ وما الدليل الذي أورده المصنِّف –رحمه الله- على وجوبه؟ وهل تركه كفر؟
الدليل على وجوب الحج: قوله تعالى:﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران:الآية97].
وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، وبها كانت فريضة الحج، ولكن الله عز وجل قال: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ ففيه دليل على أن من لم يستطع فلا حج عليه.
في قوله تعالى ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران:الآية97] دليل على أن ترك الحج ممن استطاع إليه سبيلاً يكون كفرًا؛ ولكنه كفر لا يخرج من الملة على قول جمهور العلماء؛ لقول عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"([34]).
سـ85: ما هي المرتبة الثانية من مراتب الدين؟ اذكر التعريف اللغوي والشرعي لها، موضِّحًا قول المصنِّف –رحمه الله- فيها: (وهو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
المرتبة الثانية من مراتب الدين هي: الإيمان.
والإيمان في اللغة: التصديق.
وفي الشرع: اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح وهو بضع وسبعون شعبة.
والبضع: بكسر الباء من الثلاثة إلى التسعة.
الشعبة: الجزء من الشيء.
(وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) أي إزالة الأذى، وهو ما يؤذي المارة من أحجار وأشواك، ونفايات وقمامة وماله رائحة كريهة ونحو ذلك.
سـ86: عرِّف الحياء، وهل هو من شعب الإيمان؟ وكيف الجمع بين ما تضمَّنه كلام المصنِّف –رحمه الله- من أن الإيمان بضع وسبعون شعبة وأن الإيمان أركانه ستة؟
الحياء: صفة انفعالية تحدث عند الخجل وتحجز المرء عن فعل ما يخالف المروءة.
والجمع بين ما تضمنه كلام المؤلف رحمه الله تعالى من أن الإيمان بضع وسبعون شعبة وأن الإيمان أركانه ستة: أن نقول: الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة وهي المذكورة في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))([35]). وأما الإيمان الذي يشمل الأعمال وأنواعها وأجناسها فهو بضع وسبعون شعبة، ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيمانًا في قوله : ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾[البقرة:الآية143] قال المفسرون: يعني صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة يصلون إلى بيت المقدس.
سـ87: اذكر ما الذي يتضمَّنه الإيمان بالله؟
الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بوجود الله تعالى.
الثاني: الإيمان بربوبيته.
الثالث: الإيمان بألوهيته.
الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته.
سـ88: من الأمور التي يتضمنها الإيمان بالله: الإيمان بوجوده –سبحانه وتعالى-، فما الأدلة على ذلك، مع ذكر أمثلة للتوضيح.
دل على وجوده تعالى:   1- الفطرة.        2-والعقل.        3- والشرع             4-والحس.
1-أما دلالة الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))([36]).
2-وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.
لا يمكن أن توجِد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، لأن قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟
ولا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن كل حادِث لابد له من محدِث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟!
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة، تعيَّن أن يكون لها موجِد وهو الله رب العالمين.
وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور:35] يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعيَّن أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لمَّا سمع-جبير بن مطعم-رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ [الطور:35-37] وكان-جبير يؤمئذ مشركًا قال: "كاد قلبي أن يطير، وذلك أوَّل ما وقر الإيمان في قلبي". رواه-البخاري-مفرقًا([37]).
ولنضرب مثلًا يوضح ذلك، فإنه لو حدثك شخص عن قصير مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفرش والأسرة، وزُيِّن بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: إنّ هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجَد نفسه، أو وجِد هكذا صدفة بدون موجِد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثه سفها من القول، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه وسمائه، وأفلاكه وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجَد نفسه، أو وجِد صدفة بدون موجد؟!
3-وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها، دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
4- وأما أدلة الحس على وجود الله فمن وجهين:
أحدهما: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾[الأنبياء:الآية76]، وقال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾[الأنفال:الآية9]، وفي صحيح البخاري عن-أنس بن مالك رضي الله عنه : "أن أعرابيًا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا، فثار السحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته. وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره. فقال: يا رسول الله! تهدم البناء وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه وقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا))، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت"([38]).
وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة.
الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء التي تسمى (المعجزات) ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم ، وهو الله تعالى؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله ونصرًا لهم.
مثال ذلك: آية موسى صلى الله عليه وسلم حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثنى عشر طريقًا يابسًا، والماء بينها كالجبال، قال الله تعالى : ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾[الشعراء:63] .
ومثال ثان: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيى الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى: ﴿وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[آل عمران:الآية49]، وقال: ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾[المائدة:الآية110].
ومثال ثالث: لمحمد صلى الله عليه وسلم حين طلبت منه قريش آية، فأشار إلى القمر فانفلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر:1-2] فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله، ونصرًا لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى.
سـ89: من الأمور التي يتضمنها الإيمان بالله: الإيمان بربوبيته. وضِّح معنى الربوبية، وهل أنكرها أحدًا من الخلق حقيقة؟ و هل أقرَّ بها مشركو قريش؟ وما مقتضى الإيمان بها؟
الإيمان بربوبيته: أي بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين.
والرب: له الخَلق والملك والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا هو، ولا أمر إلا له، قال تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾[الأعراف:الآية54]، وقال: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾[فاطر:الآية13].
ولم يُعلَم أنَّ أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد بما يقول، كما حصل من فرعون حين قال لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾[النازعـات:الآية24]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾[القصص:الآية38]، لكن ذلك ليس عن عقيدة، قال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾[النمل:الآية14] وقال موسى لفرعون فيما حكى الله عنه: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً﴾[الإسراء:102].
ولهذا كان المشركون يقرِّون بربوبية الله تعالى، مع إشراكهم به في الألوهية، قال الله تعالى : ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾[المؤمنون:84-89]، وقال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9]، وقال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[الزخرف:87] .
وأمر الرب سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي، فكما أنه مدبِّر الكون القاضي فيه بما يريد حسب ما تقتضيه حكمته؛ فهو كذلك الحاكم فيه بشرع العبادات وأحكام المعاملات حسبما تقتضيه حكمته. فمن اتخذ مع الله تعالى مشرَّعًا في العبادات أو حاكمًا في المعاملات فقد أشرك به ولم يحقق الإيمان.
سـ90: من الأمور التي يتضمنها الإيمان بالله: الإيمان بألوهيته –سبحانه-. وضِّح معنى الألوهية، واذكر الأدلة الشرعية والعقلية على بطلان عبادة كل ما اتُّخِذَ إلهًا من دون الله.
الإيمان بألوهيته: أي بأنه وحده الإله الحق لا شريك له.
و"الإله" بمعنى "المألوه" أي المعبود حبًا وتعظيمًا، وقال الله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[البقرة:163]، وقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[آلعمران:18].
وكل ما اتُّخِذَ إلهًا مع الله يُعبَد من دونه فألوهيته باطلة، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[الحج:62]، وتسميتها آلهة لا يعطيها حق الألوهية، قال الله تعالى في اللات والعزى ومناة : ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾[النجم:الآية23]، وقال عن هود أنه قال لقومه: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾[الأعراف:الآية71]، وقال عن يوسف أنه قال لصاحبي السجن: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)﴾[يوسف:39-40]، ولهذا كانت الرسل عليهم الصلاة والسلام يقولون لأقوامهم ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ولكن أبى ذلك المشركون، واتخذوا من دون الله آلهة، يعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى، ويستنصرون بهم، ويستغيثون.
وقد أبطل الله تعالى اتخاذ المشركين هذه الآلهة ببرهانَين عقليَين:
الأول: أنه ليس فيهذه الآلهة التي اتخذوها شيء من خصائص الألوهية، فهي مخلوقة لا تخلق، ولا تجلب نفعًا لعابدِيها، ولا تدفع عنهم ضررًا، ولا تملك لهم حياة ولا موتًا، ولا يملكون شيئًا من السموات ولا يشارِكون فيه، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً﴾[الفرقان:3]، وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُمِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾[سـبأ:22 – 23]، وقال: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾[الأعراف:191 – 192]. وإذا كانت هذه حال تلك الآلهة، فإن اتخاذها آلهة من أسفه السفه، وأبطل الباطل.
الثاني: أن هؤلاء المشركين كانوا يقرون بأن الله تعالى وحده الرب الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، وهذا يستلزم أن يوحدوه بالألوهية كما وحدوه بالربوبية، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:21- 22]، وقال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[الزخرف:87]، وقال: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾[يونس:31 – 32].
سـ91: من الأمور التي يتضمنها الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه وصفاته –سبحانه-. وضِّح معنى الإيمان بأسمائه وصفاته، مع ذكر الأدلة.
الإيمان بأسمائه وصفاته: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأعراف:180]، وقال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[الروم:الآية27]، وقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:الآية11].
سـ92: ضلَّ في باب الأسماء والصفات طائفتان، وضِّح أوجه ضلالهما والرد عليهما.
ضل في هذا الأمر طائفتان:
إحداهما: (المعطلة) الذين أنكروا الأسماء والصفات، أو بعضها، زاعمين أن إثباتها يستلزم التشبيه، أي تشبيه الله تعالى بخلقه، وهذا الزعم باطل لوجوه منها:
الأول: أنه يستلزم لوازم باطلة، كالتناقض في كلام الله سبحانه، وذلك أن الله تعالى أثبت لنفسه الأسماء والصفات، ونفى أن يكون كمثله شيء، ولو كان إثباتها يستلزم التشبيه لزم التناقض في كلام الله، وتكذيب بعضه بعضًا.
الثاني: أنه لا يلزم من اتفاق الشيئين في اسم أو صفة أن يكونا متماثلَين، فأنت ترى الشخصين يتفقان في أن كلًا منهما إنسان سميع، بصير، متكلم، ولا يلزم من ذلك أن يتماثلا في المعاني الإنسانية، والسمع، والبصر، والكلام، وترى الحيوانات لها أيد وأرجل، وأعين ولا يلزم من أتفاقها هذا أن تكون أيديها وأرجلها وأعينها متماثلة. فإذا ظهر التباين بين المخلوقات فيما تتفق فيه من أسماء ،أو صفات، فالتباين بين الخالق والمخلوق أَبْيَن وأعظم.
الطائفة الثانية: المشبهة، الذين أثبتوا الأسماء والصفات مع تشبيه الله تعالى بخلقه زاعمين أن هذا مقتضى دلالة النصوص؛ لأن الله تعالى يخاطب العباد بما يفهمون، وهذا الزعم باطل لوجوه منها:
الأول: أنّ مشابهة الله تعالى لخلقه أمر باطل يبطله العقل والشرع، ولا يمكن أن يكون مقتضى نصوص الكتاب والسنة أمرًا باطلًا.
الثاني: أنّ الله تعالى خاطب العباد بما يفهمون من حيث أصل المعنى، أما الحقيقة والكُنْه الذي عليه ذلك المعنى فهو مما استأثر الله تعالى بعلمه فيما يتعلق بذاته وصفاته.
فإذا أثبت الله لنفسه أنه سميع، فإنّ السمع معلوم من حيث أصل المعنى (وهو إدراك الأصوات) لكن حقيقة ذلك بالنسبة إلى سمع الله تعالى غير معلومة؛ لأن حقيقة السمع تتبايَن حتى في المخلوقات، فالتبايُن فيها بين الخالق والمخلوق أَبْيَن وأعظم.
وإذا أخبر الله تعالى عن نفسه أنه استوى على عرشه فإنّ الاستواء من حيث أصل المعنى معلوم، لكن حقيقة الاستواء التي هو عليه غير معلومة بالنسبة إلى استواء الله على عرشه؛ لأن حقيقة الاستواء تتباين في حق المخلوق، فليس الاستواء على كرسي مستقر كالاستواء على رحل بعير صعب نفور، فإذا تباينت في حق المخلوق؛ فالتباين فيها بين الخالق والمخلوق أَبْيَن وأعظم.
سـ 93: للإيمان بالله ثمراتٍ جليلة، عدِّدها.
الإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يثمر للمؤمنين ثمرات جليلة منها:
الأولى: تحقيق توحيد الله تعالى بحيث لا يتعلق بغيره رجاء، ولا خوفًا، ولا يعبد غيره.
الثانية: كمال محبة الله تعالى، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
الثالثة: تحقيق عبادته بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
سـ94: الركن الثاني من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة. اذكر بعض ما تعرفه عنهم.
الملائكة: عالم غيبي مخلوقون، عابدون لله تعالى، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله تعالى من نور، ومنحهم الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾[الأنبياء:19- 20]، وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفِعَ له البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودا إليه آخر ما عليهم([39]).
سـ95: ماهي الأمور التي يتضمنها الإيمان بالملائكة؟
الإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بوجودهم.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل)، ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالًا.
الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم، كصفة ( جبريل )، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خُلِقَ عليها وله ستمائة جناح قد سدَّ الأفق([40])، وقد يتحوَّل الملك بأمر الله تعالى إلى هيئة رجل، كما حصل (لجبريل) حين أرسله تعالى إلى مريم –عليها السلام- فتمثل لها بشرًا سويًا، وحين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه جاءه بصفة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، والساعة، وأماراتها، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) رواه مسلم([41]).
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم، ولوط كانوا في صورة رجال.
الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى، كتسبيحه، والتعبد له ليلًا ونهارًا بدون ملل ولا فتور.
وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة.
مثل: جبريل الأمين على وحي الله تعالى يرسله به إلى الأنبياء والرسل.
ومثل: ميكائيل الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات.
ومثل: إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق.
ومثل: ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت.
ومثل: مالِك الموكل بالنار وهو خازن النار.
ومثل: الملائكة الموكلين بالأجنة في الأرحام، إذا تم للإنسان أربعة أشهر في بطن أمه بَعَثَ الله إليه ملكًا وأمره بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد.
ومثل: الملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها لكل شخص، ملكان: أحدهما عن اليمين، والثاني عن الشمال.
ومثل: الملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه.
سـ96: ماهي ثمرت الإيمان بالملائكة؟
الإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم بعظمة الله تعالى، وقوته، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق.
الثانية: شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم، حيث وكل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
الثالثة: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى.
سـ 97: أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجسامًا، وقالوا إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات. كيف الرد عليهم؟
أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجسامًا، وقالوا إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾[فاطر:الآية1].
وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾[الأنفال:الآية50].
وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾[الأنعام:الآية93]. وقال: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[سـبأ:الآية23].
وقال في أهل الجنة: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾[الرعد:الآية23،24].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إنّ الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، إنّ الله يحبُّ فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضَع له القَبول في الأرض))([42]).
وفيه أيضًا عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم الجمعة، كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر))([43]).
وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية، كما قال الزائغون، وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون.
سـ98: الركن الثالث من أركان الإيمان: الإيمان بالكتب. ما المراد بالكتب، وماهي الأمور التي يتضمنها الإيمان بها؟
الكتب: جمع ( كتاب ) بمعنى ( مكتوب ). والمراد بها هنا : الكتب التي أنزلها تعالى على رسله رحمة للخلق، وهداية لهم ، ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.
والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن نزولها من عند الله حقًا.
الثاني: الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه، كالقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم، والإنجيل الذي أنزل على عيسى صلى الله عليه وسلم، والزبور الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم. وأما لم نعلم اسمه فنؤمن به إجمالًا.
الثالث: تصديق ما صح من أخبارها، كأخبار القرآن، وأخبار مالم يبدَّل أو يحرَّف من الكتب السابقة.
الرابع: العمل بأحكام ما لم يُنسَخ منها، والرضا والتسليم به سواء فهمنا حكمته أم لم نفهمها، وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه﴾[المائدة:الآية48] أي (حاكمًا عليه)، وعلى هذا فلا يجوز العمل بأيِّ حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صح منها وأقرّها القرآن.
سـ99: ماهي ثمرات الإيمان بالكتب؟
الإيمان بالكتب يثمر ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم بعناية الله تعالى بعباده حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
الثانية: العلم بحكمة الله تعالى في شرعه حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم. كما قال الله تعالى : ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾[المائدة:الآية48].
سـ100: الركن الرابع من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل. ما المقصود بالرسل؟ ومَن هو أول رسول ومَن هو آخرهم؟ وهل بُعِث في كل أمة رسول؟ دلِّل على ذلك، واذكر ما تعرف عنهم.
الرسل : جمع (رسول) بمعنى (مرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء. والمراد هنا: مَن أُوحيَ إليه من البشر بشرع وأُمِرَ بتبليغه.
وأول الرسل نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[النساء:الآية163]، وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- في حديث الشفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ليشفع لهم فيعتذر إليهم ويقول: ائتوا نوحًا رسول بعثه الله، وذكر تمام الحديث([44]).
وقال الله تعالى في محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾[الأحزاب:الآية40].
 ولم تَخْلُ أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ليجددها، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:الآية36]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾[فاطر:الآية24]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾[المائدة:الآية44].
والرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين وأعظمهم جاهًا عند الله: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف:188]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾[الجـن:21- 22]، وتلحقهم خصائص البشرية من المرض والموت والحاجة إلى الطعام والشراب، وغير ذلك، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في وصفه لربه تعالى: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾[الشعراء:79 – 81]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني))([45]).
وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم ،وفي سياق الثناء عليهم فقال تعالى في نوح صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾[الإسراء:الآية3]، وقال في محمد صلى الله عليه وسلم : ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾[الفرقان:1].
وقال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم وسلم : ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ* وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾[ص:45 – 47]. وقال في عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم : ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ﴾[الزخرف:59].
سـ101: ما الأمور التي يتضمنها الإيمان برسل الله؟
الإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى، فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع؛ كما قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾[الشعراء:105] فجعلهم الله مكذبِين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه، وعلى هذا فالنصارى الذين كذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه هم مكذِّبون للمسيح بن مريم غير متبعين له أيضًا، لا سيما وأنه قد بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم ينقذهم الله به من الضلالة ويهديهم إلى صراط مستقيم.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل: محمد وإبراهيم، وموسى، وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل، وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن في سورة الأحزاب في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾[الأحزاب:الآية7]، وفي سورة الشورى في قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:الآية13].
وأما مَن لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالًا قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْك﴾[غافر:الآية78].
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة مَن أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس، قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[النساء:65].
سـ102: ماهي ثمرات الإيمان بالملائكة؟
للإيمان بالرسل ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم برحمه الله تعالى وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، ويبيِّنوا لهم كيف يعبدون الله، لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك.
الثانية: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
الثالثة: محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى، ولأنهم قاموا بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده.
سـ103: كذَّب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر. كيف وضّح الله –عز وجل-بطلان هذه الشبهة.
كذَّب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم وأبطله بقوله: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً﴾[الإسراء:94 – 95]، فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لا بد أن يكون الرسول بشرًا؛ لأنه مرسَل إلى أهل الأرض، وهم بشر، ولو كان أهل الأرض ملائكة لنزل الله عليهم من السماء ملكًا رسولًا، ليكون مثلهم، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[إبراهيم: 10- 11].
سـ104: الركن الخامس من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر. ما هو اليوم الآخر؟ ولِمَ سمِّي بهذا الاسم؟ وما الأمور التي يتضمنها الإيمان به؟
اليوم الآخر: يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء. وسمِّي بذلك لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالبعث، وهو إحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة غير منتعلين، عراة غير مستترين، غرلا غير مختتنين، قال الله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:الآية104]. والبعث حق ثابت دلَّ عليه الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون:15- 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يُحشَر الناس يوم القيامة حفاة غرلًا)) متفق عليه ([46]).
وأجمع المسلمون على ثبوته، وهو مقتضى الحكمة، حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا يجازيهم فيه على ما كلَّفهم به على ألسنة رسله قال الله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾[القصص:الآية85].
الثاني: الإيمان بالحساب والجزاء، يحاسب العبد على عمله، ويجازى عليه، وقد دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
 قال الله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)﴾[الغاشية:25 – 26]، وقال: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)﴾[الأنعام:160]، وقال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)﴾[الأنبياء:47].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما-أن النبي صلى الله عليه وسلم-قال: ((إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى أنه قد هلك قال: قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين)) متفق عليه([47]).
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن همَّ بحسنة فعملها، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وأنّ مَن همَّ بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة([48]).
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال، وهو مقتضى الحكمة، فإن الله تعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به، والعمل بما يجب العمل به منه، وأوجب قتال المعارِضين له وأحل دماءهم، وذرياتهم، ونسائهم، وأموالهم. فلو لم يكن حساب ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزَّه الرب الحكيم عنه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله : ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾[الأعراف:6 – 7].
الثالث: الإيمان بالجنة والنار، وأنهما المآل الأبدي للخلق، فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به، وقاموا بطاعة الله ورسوله، مخلصين لله متبعين لرسوله. فيها من أنواع النعيم مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾[البينة:7 - 8]، وقال تعالى : ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السجدة:17]، وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين، الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب والنكال مالا يخطر على البال، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:131]، وقال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾[الكهف:الآية29]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا﴾[الأحزاب:64 – 66].
سـ105: ماهي الأمور التي تلحق بالإيمان باليوم الآخر؟      
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما يكون بعد الموت، مثل:
(أ‌) فتنة القبر: وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويضل الله الظالمين فيقول الكافر: هاه هاه، لا أدري. ويقول المنافق أو المرتاب لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.
 (ب‌) عذاب القبر ونعيمه: فيكون العذاب للظالمين من المنافقين والكافرين قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾[الأنعام:الآية93]، وقال تعالى : ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾[غافر:46].
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فلولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه))، ثم أقبل بوجهه فقال: ((تعوذوا بالله من عذاب النار)) قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: ((تعوذوا بالله من عذاب القبر)) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)). قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: ((تعوذوا بالله من فتنة الدجال)) قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال))([49]).
وأمّا نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾[فصلت:30]، وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾[الواقعة:83 – 89].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: ((فينادي منادٍ السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه منها، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مدَّ بصره)) رواه أحمد وأبو داود في حديث طويل([50]).
سـ106: ماهي ثمرا ت الإيمان باليوم الآخر؟
وللإيمان باليوم الآخر ثمرات جليلة منها:
الأولى: الرغبة في فعل الطاعة والحرص عليها؛ رجاء لثواب ذلك اليوم.
الثانية: الرهبة عند فعل المعصية والرضى بها؛ خوفًا من عقاب ذلك اليوم.
الثالثة: تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
سـ107: كيف يُرَدّ على مَن أنكر البعث بعد الموت زعمًا أنه غير ممكن؟
قد أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن، وهذا الزعم باطل دل على بطلانه:
الشرع ، والحس، والعقل .
أما الشرع: فقد قال الله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[التغابن:7]، وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه.
وأما الحس: فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة خمسة أمثلة على ذلك وهي:
المثال الأول: قوم موسى حين قالوا له: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾[البقرة:الآية55] فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم، وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبًا بني إسرائيل : ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة:55 – 56].
المثال الثاني: في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ليخبرهم بمن قتله، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[البقرة:72 – 73].
المثال الثالث: في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الموت وهم ألوف فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾[البقرة:243].
المثال الرابع: في قصة الذي مر على قرية ميتة فاستبعد أن يحييها الله تعالى، فأماته الله تعالى مئة سنة، ثم أحياه وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:259].
المثال الخامس: في قصة إبراهيم الخليل حين سأل الله تعالى أن يريه كيف يحيى الموتى ؟ فأمره الله تعالى أن يذبح أربعة من الطير، ويفرقهن أجزاء على الجبال التي حوله، ثم يناديهن فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض، ويأتين إلى إبراهيم سعيًا، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[البقرة:260].
فهذه أمثلة حسية واقعية تدل على إمكانية إحياء الموتى، وقد سبقت الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى ابن مريم من إحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بإذن الله تعالى.


وأما دلالة العقل فمن وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى فاطر السموات والأرض وما فيهما ،خالقهما ابتداء ، والقادر على ابتداء الخلق لا يعجز عن إعادته ، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه﴾[الروم:الآية27] وقال تعالى : ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾[الأنبياء:الآية104] وقال آمرا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾[يـس:79].
الثاني: أن الأرض تكون ميتة هامدة ليس فيها شجرة خضراء، فينزل عليها المطر فتهتز خضراء حية فيها من كل زوج بهيج، والقادر على إحيائها بعد موتها ، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[فصلت:39]، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ* رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾[ق:9 – 11].
سـ108: كيف ترد على من أنكر عذاب القبر ونعيمه، زاعمًا أن ذلك غير ممكن؛ لمخالفة الواقع؟
ضلَّ قوم من أهل الزيغ فأنكروا عذاب القبر، ونعيمه، زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفة الواقع، قالوا فإنه لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق. وهذا الزعم باطل:
 بالشرع، والحس، والعقل.
أما الشرع: فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوت عذاب القبر، ونعيمه في سؤال رقم (105) فقرة (ب) مما يلتحق بالإيمان باليوم الآخر.
وفي صحيح البخاري-من حديث-ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة ، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما"([51])، وذكر الحديث، وفيه: ((أن أحدهما كان لا يستتر من البول" وفي-رواية- " من (بوله) وأن الآخر كان يمشي بالنميمة)).
وأما الحس: فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه، أو أنه كان في مكان ضيق موحش يتألم منه، وربما يستيقظ أحيانًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه، والنوم أخو الموت ولهذا سماه الله تعالى "وفاة" قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً﴾[الزمر:الآية42].
وأما العقل: فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته، ومن رآه على صفته فقد رآه حقًا ومع ذلك فالنائم في حجرته على فراشه بعيدًا عما رأى، فإن كان هذا ممكنًا في أحوال الدنيا ، أفلا يكون ممكنًا في أحوال الآخرة ؟!
وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق، فجوابه من وجوه منها:
الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمل المعارض بها ما جاء به الشرع حق التأمل لعلم بطلان هذه الشبهات وقد قيل:
وكم مِن عائبٍ قولًا صحيحًا
وآفتُه مِن الفَهْمِ السَّقيمِ
الثاني: أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحس، ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، ولتساوى المؤمنون بالغيب والجاحدون في التصديق بها.
الثالث: أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه إنما يدركها الميت دون غيره، وهذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيق موحش، أو في مكان واسع بهيج، وهو بالنسبة لغيره لم يتغير منامه هو في حجرته وبين فراشه وغطائه ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه وهو بين أصحابه فيسمع الوحي، ولا يسمعه الصحابة ، وربما يتمثل له الملك رجلًا فيكلمه والصحابة لا يرون الملك، ولا يسمعونه.
الرابع: أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه ولا يمكن أن يدركوا كل موجود، فالسموات السبع والأرض ومن فيهن، وكل شيء يسبح بحمد الله تسبيحًا حقيقيًا يسمعه الله تعالى من شاء من خلقه أحياًن، ومع ذلك هو محجوب عنا، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[الإسراء:الآية44] وهكذا الشياطين والجن يسعون في الأرض ذهابًا وإيابًا، وقد حضرت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا لقراءته وأنصتوا وولّوا إلى قومهم منذرين. ومع هذا فهم محجوبون عنا وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف:27]. وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود، فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب، ولم يدركوه.
سـ109: ما هو الركن السادس من أركان الإيمان؟ عرِّفه، واذكر ما يتضمّنه الإيمان به؟
القدَر بفتح الدال: "تقدير الله تعالى للكائنات، حسبما سبق علمه، واقتضته حكمته" .
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملة وتفصيلًا، أزلًا وأبدًا، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله أو بأفعال عباده.
الثاني: الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى : ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[الحج:70]. وفي صحيح مسلم- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة))([52]).
الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى، سواء كانت مما يتعلق بفعله أم مما يتعلق بفعل المخلوقين.
 قال الله تعالى فيما يتعلق بفعله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[القصص:الآية68]. وقال: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾[إبراهيم:الآية27]، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[آل عمران:الآية6].
 وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ﴾[النساء:الآية90]، وقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾[الأنعام:الآية112].
تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾[البقرة:177].
الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾[الزمر:62]، وقال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾[الفرقان:الآية2]، وقال عن نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:96].
سـ110: هل ينافي الإيمان بالقدر بمراتبه الأربعة: (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق) أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها؟ وضِّح ذلك بالأدلة.
الإيمان بالقدر لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها، لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له.
أما الشرع: فقد قال الله تعالى في المشيئة: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً﴾[النبأ:الآية39]، وقال : ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾[البقرة:الآية223]، وقال في القدرة: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾[التغابن:الآية16]، وقال: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾[البقرة:الآية286].
 وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك، ويفرِّق بين ما يقع: بإرادته كالمشي وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته لقول الله تعالى:﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير:28 – 29].
ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته.
سـ111: هل إيمان العبد بالقدر يمنحه حجة على ما تَرَكَ من الواجبات أو فَعَلَ من المعاصي؟
الإيمان بالقدر على ما وصفنا لا يمنح العبد حجة على ما تَرَكَ من الواجبات أو فَعَلَ من المعاصي، وعلى هذا فاحتجاجه به باطل من وجوه:
الأول: قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾[الأنعام:148]، ولو كان لهم حجة بالقدر ما أذاقهم الله بأسه.
الثاني: قوله تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[النساء:165]، ولو كان القدر حجة للمخالفين لم تنتفِ بإرسال الرسل؛ لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى.
الثالث: ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا قد كُتِبَ مقعده من النار أو من الجنة))، فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: ((لا، اعملوا فكل ميسَّر، ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾[الليل:5] ([53]) الآية. وفي لفظ لمسلم: ((فكلٌّ ميسَّر لما خُلِقَ له))([54])، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل ونهى عن الاتكال على القدر.
الرابع: أن الله تعالى أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:الآية16]، وقال: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:الآية286]، ولو كان العبد مجبرًا على الفعل لكان مُكلَّفًا بما لا يستطيع الخلاص منه، وهذا باطل، ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل أو نسيان أو إكراه فلا إثم عليه؛ لأنه معذور.
الخامس: أن قدر الله تعالى سر مكتوم لا يعلم به إلا بعد وقوع المقدور، وإرادة العبد لما يفعله سابقة على فعله فتكون إرادته الفعل غير مبنية على علم منه بقدر الله، وحينئذ تنفي حجته بالقدر؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه.
السادس: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه من أمور دنياه حتى يدركه ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج على عدو له بالقدر، فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟‍‍‍‍‍‍‍ أفليس شأن الأمرين واحدًا؟
وإليك مثالًا يوضح ذلك: لو كان بين يدي الإنسان طريقان أحدهما ينتهي به إلى بلد كلها فوضى وقتل ونهب وانتهاك للأعراض وخوف وجوع، والثاني ينتهي به إلى بلد كلها نظام، وأمن مستتب، وعيش رغيد، واحترام للنفوس والأعراض والأموال، فأي الطريقين يسلك؟ إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام والأمن، ولا يمكن لأي عاقل أبدًا أن يسلك طريق بلد الفوضى، والخوف، ويحتج بالقدر، فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتج بالقدر؟
مثال آخر: نرى المريض يؤمر بالدواء فيشربه ونفسه لا تشتهيه، وينهى عن الطعام الذي يضره فيتركه ونفسه تشتهيه، كل ذلك طلباً للشفاء والسلامة، ولا يمكن أن يمتنع عن شرب الدواء أو يأكل الطعام الذي يضره ويحتج بالقدر فلماذا يترك الإنسان ما أمر الله ورسوله، أو يفعل ما نهى الله ورسوله ثم يحتج بالقدر؟ ‍
السابع: أن المحتج بالقدر على ما تركه من الواجبات أو فعله من المعاصي، لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله أو انتهك حرمته ثم احتج بالقدر، وقال: لا تلمني فإن اعتدائي كان بقدر الله، لم يقبل حجته. فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه، ويحتج به لنفسه في اعتدائه على حق الله تعالى؟ ‍
ويُذكَر أنّ-أمير المؤمنين-عمر بن الخطاب رضي الله عنه رُفِعَ إليه سارق استحق القطع، فأمر بقطع يده فقال: مهلًا يا أمير المؤمنين! فإنما سرقتُ بقدَر الله. فقال: ونحن إنما نقطع بقدر الله.
س: 112: ماهي ثمرا ت الإيمان بالقدر؟
للإيمان بالقدر ثمرات جليلة منها:
الأولى: الاعتماد على الله تعالى، عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد على السبب نفسه لأن كل شيء بقدر الله تعالى.
الثانية: أن لا يُعجَب المرء بنفسه عند حصول مراده، لأن حصوله نعمة من الله تعالى، بما قدره من أسباب الخير، والنجاح ، وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
الثالثة: الطمأنينة، والراحة النفسية بما يجرى عليه من أقدار الله تعالى فلا يقلق بفوات محبوب، أو حصول مكروه، لأن ذلك بقدر الله الذي له ملك السموات والأرض، وهو كائن لا محالة، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[الحديد:22 – 23]، و يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن اصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))([55]) رواه مسلم.
سـ113: ضلَّ في باب القدر طائفتان، اذكرهما ووجه ضلالهما، وكيف نردُّ عليهما؟
قد ضل في القدر طائفتان:
إحداهما: الجبرية الذين قالوا إن العبد مجبر على عمله وليس له فيه إرادة ولا قدرة.
الثانية: القدرية الذين قالوا إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر.
والرد على الطائفة الأولى ( الجبرية ): بالشرع والواقع.
أما الشرع: فإن الله تعال أثبت للعبد إرادة ومشيئة، وأضاف العمل إليه قال الله تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾[آل عمران:الآية152]، وقال:﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾[الكهف:الآية29]، وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[فصلت:46].
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم الفرق بين أفعاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته كالأكل والشرب والبيع والشراء، وبين ما يقع عليه بغير إرادته كالارتعاش من الحمى والسقوط من السطح، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر، وفي الثاني غير مختار ولا مريد لما وقع عليه.
والرد على الطائفة الثانية (القدرية): بالشرع والعقل .
أما الشرع: فإن الله تعالى خالق كل شيء ، وكل شيء كائن بمشيئة، وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته فقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[البقرة:الآية253]، وقال تعالى : ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[السجدة:13].
وأما العقل: فإن الكون كله مملوك لله تعالى، والإنسان من هذا الكون فهو مملوك لله تعالى، ولا يمكن للمملوك أن يتصرف في ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته.
سـ114: ماهي المرتبة الثالثة من مراتب الدين؟ اذكر نوعيهما وكيفية تحقيقها.
الإحسان: ضد الإساءة، وهو أن يبذل الإنسان المعروف ويكف الأذى، فيبذل المعروف لعباد الله في ماله، وجاهه، وعلمه، وبدنه.
فأما المال فأن ينفق ويتصدق ويزكي وأفضل أنواع الإحسان بالمال الزكاة، لأن الزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ولا يتم إسلام المرء إلا بها، وهي أحب النفقات إلى الله عز وجل، ويلي ذلك، ما يجب على الإنسان من نفقة لزوجته، وأمه، وأبيه، وذريته، وإخوانه، وبني إخوته، وأخواته، وأعمامه، وعماته، وخالاته إلى آخر هذا، ثم الصدقة على المساكين وغيرهم، ممن هم أهل للصدقة كطلاب العلم مثلًا.
وأما بذل المعروف في الجاه فهو أنّ الناس مراتب، منهم من له جاه عند ذوي السلطان فيبذل الإنسان جاهه، يأتيه رجل فيطلب منه الشفاعة إلى ذي السلطان يشفع له عنده، إما بدفع ضرر عنه، أو بجلب خير له.
وأما بعلمه فإن يبذل علمه لعباد الله، تعليماً في الحلقات والمجالس العامة والخاصة، حتى لو كنت في مجلس قهوة، فإن من الخير والإحسان أن تعلم الناس، ولو كنت في مجلس عام فمن الخير أن تعلم الناس، ولكن استعمل الحكمة في هذا الباب، فلا تثقل على الناس حيث كلما جلست في مجلسٍ جعلت تعظهم وتتحدث إليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخولهم بالموعظة، ولا يكثر، لأن النفوس تسأم وتمل فإذا ملت كلت وضعفت، وربما تكره الخير لكثرة من يقوم ويتكلم.
وأما الإحسان إلى الناس بالبدن فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((وتُعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع عليها متاعه صدقة))([56]). فهذا رجل تعينه تحمل متاعه معه، أو تدله على طريق أو ما أشبه ذلك فكل ذلك من الإحسان، هذا بالنسبة للإحسان إلى عباد الله.
-وأما بالنسبة للإحسان في عبادة الله: فأن تعبد الله كأنك تراه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهذه العبادة -أي عبادة الإنسان ربه كأنه يراه- عبادة طلب وشوق، وعبادة الطلب والشوق يجد الإنسان من نفسه حاثًا عليها، لأنه يطلب هذا الذي يحبه، فهو يعبده كأنه يراه، فيقصده وينيب إليه ويتقرب إليه سبحانه وتعالى.
((فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) وهذه عبادة الهرب والخوف، ولهذا كانت هذه المرتبة ثانية في الإحسان، إذا لم تكن تعبد الله - عز وجل - كأنك تراه وتطلبه، وتحث النفس للوصول إليه فاعبده كأنه هو الذي يراك، فتعبده عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، وهذه الدرجة عند أرباب السلوك أدنى من الدرجة الأولى.
سـ115: العبادة مبنية على أمرين. اذكرهما وآثارهما.
عبادة الله - سبحانه وتعالى - هي كما قال ابن القيم - رحمه الله - :
وعبادةُ الرَّحمن غايةُ حبِّه
مع ذلِّ عابدِه هما ركنان
فالعبادة مبنية على هذين الأمرين: غاية الحب، وغاية الذل.
ففي الحب الطلب، وفي الذل الخوف والهرب. فهذا هو الإحسان في عبادة الله عز وجل.
وإذا كان الإنسان يعبد الله على هذا الوجه، فإنه سوف يكون مخلصًا لله - عز وجل - لا يريد بعبادته رياء ولا سمعة، ولا مدحًا عند الناس، وسواء اطلع الناس عليه أم لم يطلعوا، الكل عنده سواء، وهو محسن العبادة على كل حال، بل إن من تمام الإخلاص أن يحرص الإنسان على ألا يراه الناس في عبادته، وأن تكون عبادته مع ربه سرًا، إلا إذا كان في إعلان ذلك مصلحة للمسلمين أو للإسلام، مثل أن يكون رجلًا متبوعًا يُقتدَى به، وأحبَّ أن يبيِّن عبادته للناس ليأخذوا من ذلك نبراسًا يسيرون عليه أو كان هو يحب أن يظهر العبادة ليقتدي بها زملاؤه وقرناؤه وأصحابه ففي هذا خير، وهذه المصلحة التي يلتفت إليها قد تكون أفضل وأعلى من مصلحة الإخفاء، لهذا يثني الله - عز وجل - على الذين ينفقون أموالهم سرًا وعلانية، فإذا كان السر أصلح وأنفع للقلب وأخشع وأشد إنابة إلى الله أسروا، وإذا كان في الإعلان مصلحة للإسلام بظهور شرائعه، وللمسلمين يقتدون بهذا الفاعل وهذا العامل أعلنوه.
والمؤمن ينظر ما هو الأصلح، كلما كان أصلح وأنفع في العبادة فهو أكمل وأفضل.


سـ116: الأصل الثالث من الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها: (معرفة النبي –صلى الله عليه وسل). اذكر ما تتضمنه هذه المعرفة من أمور.
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم تتضمن خمسة أمور:
الأول: معرفته نسبًا. فهو أشرف الناس نسبًا، فهو هاشمي قرشي عربي، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم إلى آخر ما قاله الشيخ المصنِّف -رحمه الله-.
الثاني: معرفة سنِّه، ومكان ولادته، ومهاجَره، وقد بينها الشيخ بقوله: "وله من العمر ثلاث وستون سنة، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة". فقد ولد بمكة وبقي فيها ثلاثا وخمسين سنة، ثم هاجر إلى المدينة فبقي فيها عشر سنين، ثم توفي فيها في ربيع الأول سنة إحدى عشر بعد الهجرة.
الثالث: معرفة حياته النبوية وهي ثلاث وعشرون سنة فقد أوحي إليه وله أربعون سنة كما قال أحد شعرائه:
وأتت عليه أربعون فأشرقت
شمس النبوة منه في رمضان
الرابع: بماذا كان نبياً ورسولًا؟ فقد كان نبيًا حين نزل عليه قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:1 – 5]، ثم كان رسولًا حين نزل عليه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾[المدثر:1 – 7]، فقام صلى الله عليه وسلم فأنذر وقام بأمر الله عز وجل.
والفرق بين الرسول والنبي كما يقول أهل العلم: أن النبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه والعمل به فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا([57]).
الخامس: بماذا أُرسِل ولماذا؟ فقد أُرسِل بتوحيد الله تعالى وشريعته المتضمنة لفعل المأمور وترك المحظور، وأُرسِل رحمة للعالمين لإخراجهم من ظلمة الشرك والكفر والجهل إلى نور العلم والإيمان والتوحيد؛ حتى ينالوا بذلك مغفرة الله ورضوانه وينجوا من عقابه وسخطه.
سـ117: أُرسِل النبي –صلى الله عليه وسلم- بالنذارة عن أمر والدعوة لآخر. ما هما هذان الأمران؟ مع الدليل.
ينذرهم عن الشرك، ويدعوهم إلى توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
والدليل قوله –تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(2) * قُمْ فَأَنْذِرْ  * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾[المدثر:1 – 7] النداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوم بجد ونشاط وينذر الناس عن الشرك ويحذرهم منه وقد فسر الشيخ هذه الآيات.
سـ118: كم سنة بقي النبي –صلى الله عليه وسلم يدعو للتوحيد؟ وما الحدث الذي حصل بعد العشر؟
بقي عشر سنين يدعو إلى توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة سبحانه وتعالى. وبعد العشر عرج به إلى السماء.


سـ119: ما معنى العروج؟ وما قصة معراج النبي –صلى الله عليه وسلم- ؟
العروج الصعود ومنه قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾[المعارج:الآية4]، وهو من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة التي فضله الله به قبل أن يهاجر من مكة، فبينما هو نائم في الحجر في الكعبة أتاه آتٍ فشق ما بين ثغرة نحره إلى أسفل بطنه، ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانًا؛ تهيئة لما سيقوم به، ثم أتى بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها البراق، يضع خطوه عند منتهى طرفه، فركبه صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل الأمين، حتى وصل بيت المقدس، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إمامًا بكل الأنبياء والمرسلين، يصلون خلفه؛ ليتبين بذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وأنه الإمام المتبوع، ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك ؟ قال: محمد. قيل : وقد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، ففتح له، فوجد فيها آدم فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، وإذا على يمين آدم أرواح السعداء وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته، فإذا نظر إلى اليمين سُرَّ وضحك، وإذا نظر قبيل شماله بكى. ثم عرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح . .إلخ. فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما ابنا الخالة كل واحد منهما ابن خالة الآخر، فقال جبريل: هذان يحيى وعيسى فسلِّم عليهما، فسلَّم عليهما، فردا السلام وقالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة فاستفتح . . . إلخ. فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فقال جبريل: هذا يوسف فسلِّم عليه، فسلَّم عليه، فرد السلام وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم عرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح . . إلخ فوجد فيها إدريس صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا إدريس فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام ، وقال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الخامسة فأستفتح . . . .إلخ . فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: هذا هارون فسلِّم عليه، فسلَّم عليه فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم عرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح . . . . إلخ. فوجد فيها موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: هذا موسى فسلِّم عليه، فسلَّم عليه فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. فلما تجاوزه بكى موسى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "أبكي لأن غلامًا بُعِثَ بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي" -فكان بكاء موسى حزنًا على ما فات أمته من الفضائل لا حسدًا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم- ثم عرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح . . . إلخ. فوجد فيها إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: هذا أبوك إبراهيم فسلِّم عليه، فسلَّم عليه، فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح. وإنما طاف جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء تكريمًا له وإظهارًا لشرفه وفضله صلى الله عليه وسلم.
وكان إبراهيم الخليل مسندًا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة يتعبدون ويصلون ثم يخرجون ولا يعودون، في اليوم الثاني يأتي غيرهم من الملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله.
 ثم رُفِعَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها، ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرضي بذلك وسلَّم، ثم نزل، فلمّا مرَّ بموسى قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال: خمسين صلاة في كل يوم. فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك وقد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فرجعتُ فوضع عني عشرًا، وما زال راجع حتى استقرت الفريضة على خمس، فنادى منادٍ: أمضيتُ فريضتي وخفَّفتُ على عبادي.
 وفي هذه الليلة أُدخِلَ النبي صلى الله عليه وسلم الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة بغلس وصلى فيها الصبح([58]).
سـ120: كم كان عدد ركعات الصلاة الرباعية حين فُرِضت؟ وعلى ماذا استقرّت ومتى؟
 كان يصلي الرباعية ركعتين، حتى هاجر إلى المدينة فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.
سـ 121: لِمَ  أمر الله –عز وجل- نبيه –صلى الله عليه وسلم- بالهجرة للمدينة؟ ومتى كانت؟ اذكر أحداثها.
أمر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة؛ لأن أهل مكة منعوه أن يقيم دعوته.
 وفي شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرًا من مكة البلد الأول للوحي وأحبُّ البلاد إلى الله ورسوله، خرج من مكة مهاجرًا بإذن ربه بعد أن قام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها، والإيذاء الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن آمن به، حتى آل الأمر بهم إلى تنفيذ خطة المكر والخداع لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث اجتمع كبراؤهم في دار الندوة، وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لا بد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم، وحينئذ تكون له الدولة على قريش، فقال عدوا الله أبو جهل: الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جلدًا ثم نعطي كل واحد سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف -يعني عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم -أن يحاربوا قومهم جميعًا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها.
فأعلَم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما أراد المشركون وأَذِنَ له بالهجرة، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد تجهز من قبل للهجرة إلى المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((على رسلك فإني أرجو أن يؤذَن لي))، فتأخر أبو بكر رضي الله عنه ليصحب النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب مقتنعًا فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأبي بكر: ((أخرج من عندك)) فقال: إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد أُذِنَ لي في الخروج)) فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال: ((نعم)). فقال: يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بالثمن. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فأقاما في غار جبل ثور ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وكان غلامًا شابًا ذكيًا واعيًا، فينطلق في آخر الليل إلى مكة فيصبح من قريش فلا يسمع بخبر حول النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلا وعاه، حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام. فجعلت قريش تطلب النبي صلى الله عليه وسلم من كل وجه وتسعى بكل وسيلة ليدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جعلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما ديته مئة من الإبل، ولكن الله كان معهما يحفظهما بعنايته ويرعاهما برعايته، حتى إن قريشًا ليقفون على باب الغار فلا يرونهما. قال أبو بكر رضي الله عنه: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال: ((لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما))([59]). حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلًا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل.
سـ122: كيف كان حال الأنصار في استقبال النبي –صلى الله عليه وسلم- في المدينة؟
لما سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم كانوا يخرجون صباح كل يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه حتى يطردهم حر الشمس، فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعالى النهار واشتد الحر رجعوا إلى بيوتهم وإذا رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة ينظر لحاجة له فأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مقبلين يزول بهم السراب، فلم يملك أن نادى بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم -يعني هذا حظكم وعزكم- الذي تنتظرون، فهب المسلمون للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم السلاح تعظيمًا وإجلالًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذانًا باستعدادهم للجهاد والدفاع دونه رضي الله عنهم، فتلقوه صلى الله عليه وسلم بظاهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمرو بن عوف في قباء، وأقام فيهم بضع ليال وأسس المسجد، ثم ارتحل إلى المدينة والناس معه وآخرون يتلقونه في الطرقات، قال أبو بكر رضي الله عنه: خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد.
سـ123: عرِّف الهجرة لغة وشرعًا، موضِّحًا التعريف، وذاكرًا حكمها.
الهجرة في اللغة: "مأخوذة من الهجر؛ وهو الترك".
وأما في الشرع: فهي كما قال الشيخ: "الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام".
وبلد الشرك هو الذي تقام فيها شعائر الكفر ولا تقام فيه شعائر الإسلام؛ كالأذان والصلاة جماعة والأعياد، والجمعة على وجه عام شامل.
 وإنما قلنا على وجه عام شامل ليخرج ما تقام فيه هذه الشعائر على وجه محصور كبلاد الكفار التي فيها أقليات مسلمة، فإنها لا تكون بلاد إسلام بما تقيمه الأقليات المسلمة فيها من شعائر الإسلام، أما بلاد الإسلام فهي البلاد التي تقام فيها هذه الشعائر على وجه عام شامل.
فهي واجبة على كل مؤمن لا يستطيع إظهار دينه في بلد الكفر، فلا يتم إسلامه إذا كان لا يستطيع إظهاره إلا بالهجرة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
سـ124:الدليل الذي أورده المصنف –رحمه الله- على وجوب الهجرة؟ أوضِح تفسيره.
قال المصنف –رحمه الله-: الهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة، والدليل قوه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾[النساء:97 – 99]
في هذه الآية دليل على أن هؤلاء الذين لم يهاجروا مع قدرتهم على الهجرة أن الملائكة تتوفاهم وتوبخهم وتقول لهم: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ أما العاجزون عن الهجرة من المستضعفين فقد عفا الله عنهم؛ لعجزهم عن الهجرة، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
سـ125: أورد المصنف –رحمه الله- تعليقًا للبغوي –رحمه الله- على هذه الآية: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت:56] فهل نَقَله بلفظه أو بمعناه؟ 
الظاهر أن الشيخ رحمه الله نقل هذا عن البغوي بمعناه، هذا إن كان نقله من التفسير؛ إذ ليس المذكور في التفسير البغوي لهذه الآية بهذا اللفظ.
سـ126: ذكر المصنف –رحمه الله- دليلا من السنة على وجوب الهجر. اذكره مع توضيحه.
الدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها))([60])، وذلك حين انتهاء العمل الصالح المقبول قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾[الأنعام:الآية158 ]، والمراد ببعض الآيات هنا طلوع الشمس من مغربها.


سـ127: ما حكم السفر إلى بلاد الكفر؟
 السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك.
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالًا كثيرة في هذه الأسفار.
أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به.
وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلادًا سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها.
سـ128: ما حكم الإقامة في بلاد الكفار؟
الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين الإسلام، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فساقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك.
فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسين:
الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ.
 وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم مبتعدًا عن موالاتهم، ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم، مما ينافي الإيمان بالله قال تعالى: ﴿لا تَجًِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾[المجادلة:الآية22] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾[المائدة:51 – 52]، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحب قومًا فهو منهم، وأن المرء مع من أحب([61]).
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطراً على المسلم؛ لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحبَّ قومًا فهو منهم)).
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يُمنَع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يُمنَع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة؛ لوجوب الهجرة حينئذ.
 قال في المغني ص 457 جـ 8 في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: "أحدها من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه من إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[النساء:97] وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.اهـ
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه.
فهذا نوع من الجهاد فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة وأن لا يوجد من يمنع منها أو من الاستجابة غليها، لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان فقال صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عني ولو آية))([62]).
القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة، وبطلان التعبد، وانحلال الأخلاق ، وفوضوية السلوك ؛ ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويبيِّن للمعجبين بهم حقيقة حالهم.
 وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضًا لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه، لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
لكن لا بد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقق مراده بأن مُنِعَ من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابِلوا فعله بسبّ الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام وجب الكف لقوله تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام:108].
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عيناً للمسلمين؛ ليعرف ما يدبروه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون، كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم([63]).
القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دول الكفر كموظفي السفارات؛ فحكمها حكم ما أقام من أجله.
 فالملحق الثقافي مثلًا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ويندرئ بها شر كبير.
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج؛ فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفر للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها -إقامة لحاجة- لكنها أخطر منها وأشد فتكًا بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال، والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط:
الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد.
 فأما بعث الأحداث "صغار السن" وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم، وخلقهم، وسلوكهم، ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيرًا من أولئك المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في دياناتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق؛ لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقًا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل. وفي الدعاء المأثور ((اللهم أرني الحق حقًا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلًا وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا عليَّ فأضل)).
الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله؛ وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة فإذا صادفت محلاً ضعيف المقاومة عملت عملها.
الشرط الرابع: أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله، بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم.
 فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله؛ لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة.
القسم السادس: أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم؛ لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله))([64]) وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وِجْهَة من النظر فإن المساكنة تدعو إلى المشاكلة. وعن قيس بن حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين))، قالوا يا رسول الله ولِمَ؟ قال: ((لا تراءى نارهما))([65]) رواه أبو داود والترمذي وأكثر الرواة رووه مرسلًا عن قيس بن حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل. اهـ.
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
سـ129: قال المصنف –رحمه الله-: (فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة، والصوم، والحج، والجهاد والآذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام) ما الذي قرَّره المصنف –رحمه الله- في العبادات المذكورة، هل فُرِضَت في المدينة أم في مكة؟
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: لما استقر - أي النبي صلى الله عليه وسلم - في المدينة النبوية أمر ببقية شرائع الإسلام، وذلك أنه في مكة دعا إلى التوحيد نحو عشر سنين، ثم بعد ذلك فُرِضَت عليه الصلوات الخمس في مكة، ثم هاجر إلى المدينة ولم تُفرَض عليه الزكاة ولا الصيام ولا الحج ولا غيرها من شعائر الإسلام.
وظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- أن الزكاة فرضت أصلًا وتفصيلًا في المدينة. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الزكاة فرضت أولًا في مكة لكنها لم تقدَّر أنصابها ولم يقدَّر الواجب فيها، وفي المدينة قدِّرت الأنصباء وقدِّر الواجب؛ واستدل هؤلاء بأنه جاءت آيات توجب الزكاة في سورة مكية مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾[الأنعام:الآية141]، ومثل قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[المعارج:24- 25]. وعلى كل حال فاستقرار الزكاة وتقدير أنصابها وما يجب فيها وبيان مستحقيها كان في المدينة، وكذلك الأذان والجمعة، والظاهر أن الجماعة كذلك لم تُفرَض إلا في المدينة؛ لأن الأذان الذي فيه الدعوة للجماعة فرض في السنة الثانية، فأما الزكاة والصيام فقد فرضا في السنة الثانية من الهجرة، وأما الحج فلم يفرض إلا في السنة التاسعة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وذلك حين كانت مكة بلد إسلام بعد فتحها في السنة الثامنة من الهجرة، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهما من الشعائر الظاهرة، كلها فُرضَت في المدينة بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم فيها وإقامة الدولة الإسلامية فيها.
سـ130: كم أخذ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمدينة يعلِّم شرائع الإسلام؟ ومتى قُبِض –صلى الله عليه وسلم- وكيف؟ وما موقف أبو بكر –رضي الله عنه- من وفاته –صلى الله عليه وسلم-؟
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بعد هجرته يعلِّم الناس بقية شرائع الدين، فلما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة على المؤمنين اختاره الله لجواره واللحاق بالرفيق الأعلى من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فابتدأ به المرض صلوات الله وسلامه عليه في آخر شهر صفر وأول شهر ربيع الأول، فخرج إلى الناس عاصبًا رأسه فصعد المنبر فتشهد، وكان أول ما تكلم به بعد ذلك أن استغفر للشهداء الذين قُتِلوا في أحد، ثم قال: ((إن عبدًا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله)) ففهمها أبو بكر رضي الله عنه فبكى وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا، وأبنائنا، وأنفسنا، وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((على رسلك يا أبا بكر))، ثم قال: ((إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته))([66])، وأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ولما كان يوم الاثنين الثاني عشر أو الثالث عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة اختاره الله لجواره، فلما نزل به جعل يدخل يده في ماء عنده ويمسح وجهه ويقوله: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات))، ثم شَخَصَ بصره نحو السماء وقال: ((اللهم في الرفيق الأعلى))([67]). فتوفي ذلك اليوم فاضطرب الناس لذلك وحُقَّ لهم أن يضطربوا، حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد. فإن من كان يَعبُد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يَعبُد الله فإن الله حي لا يموت. ثم قرأ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾[آل عمران: من الآية144] ، ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾[الزمر:30]، فاشتد بكاء الناس وعرفوا أنه قد مات. فغُسِل صلوات الله وسلامه عليه في ثيابه تكريمًا له، ثم كُفِّنَ بثلاث أثواب -أي لفائف- بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه إرسالًا بدون إمام، ثم دفن ليلة الأربعاء بعد أن تمت مبايعة الخليفة من بعده فعليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسلم.
سـ131: قال المصنِّف –رحمه الله-: (بعثه الله إلى الناي كافة) وأَوْرَدَ دليلا على ذلك. اذكره ووضِّحه.
الدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾[سورة الأعراف، الآية: 158]، في هذه الآية دليل على أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعًا، وأن الذي أرسله له ملك السموات والأرض، ومن بيده الإحياء والإماتة، وأنه سبحانه هو المتوحِّد بالألوهية كما هو متوحِّد في الربوبية. ثم أمر سبحانه وتعالى في آخر الآية أن نؤمن بهذا الرسول النبي الأمي وأن نتبعه وأن ذلك سبب للهداية العلمية والعملية، هداية الإرشاد، وهداية التوفيق، فهو عليه الصلاة والسلام رسول إلى جميع الثقلين وهم الإنس والجن وسمُّوا بذلك لكثرة عددهم.

سـ132: وضِّح قول المصنِّف –رحمه الله-: (وأكمَلَ الله به الدين، والدليل قوله تعالى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً﴾ ؟
أي أن دينه عليه الصلاة والسلام باق إلى يوم القيامة، فما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بيَّن للأمة جميع ما تحتاجه في جميع شئونها، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم طائرًا يقلب جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا"([68]). وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه علمكم نبيكم حتى الخراة -آداب قضاء الحاجة- قال: "نعم لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى برجيع أو عظم"([69]). فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن كل الدين إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره ابتداء أو جواباً عن سؤال، وأعظم ما بيّن عليه الصلاة والسلام التوحيد .
وكل ما أمر به فهو خير للأمة في معادها ومعاشها، وكل ما نهى عنه فهو شر للأمة في معاشها ومعادها، وما يجهله بعض الناس ويدعيه من ضيق في الأمر والنهي فإنما ذلك لخلل البصيرة وقلة الصبر وضعف الدين، وإلا فإن القاعدة العامة أن الله لم يجعل علينا في الدين من حرج وأن الدِّين كله يسر وسهولة قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة: من الآية185]، وقال تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج: من الآية78]، وقال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[المائدة: من الآية6]. فالحمد لله على تمام نعمته وإكمال دينه.


سـ133: أَوْرَد المصنِّف –رحمه الله- دليلًا على وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ اذكره مع توضيحه.
الدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾[الزمر:30 – 31]، في هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم ومَن أُرسِل إليهم ميتون، وأنهم سيختصمون عند الله يوم القيامة فيحكم بينهم بالحق، ولن يجعل الله لكافرين على المؤمنين سبيلًا.
سـ134: وضِّح قول المصنِّف –رحمه الله-: (والناس إذا ماتوا يبعثون)، واذكر الأدلة التي أوردها مع توضيحها.
بيّن رحمه تعالى في هذه الجملة أن الناس إذا ماتوا يبعثون، يبعثهم الله عز وجل أحياء بعد موتهم للجزاء، وهذا هو النتيجة من إرسال الرسل؛ أن يعمل الإنسان لهذا اليوم يوم البعث والنشور، اليوم الذي ذكر الله سبحانه وتعالى من أحواله وأهواله ما يجعل القلب ينيب إلى الله عز وجل ويخشى هذا اليوم قال الله تعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً﴾[المزمل:17 – 18]. وفي هذه الجملة إشارة إلى الإيمان بالبعث واستدل الشيخ له بآيتين:
1-قوله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[سورة طه، الآية: 55].﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ أي من الأرض خلقناكم حين خُلِقَ آدم عليه الصلاة والسلام من تراب،﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ أي بالدفن بعد الموت، ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[أي بالبعث يوم القيامة.
2-وقوله تعالى-: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾[نوح:17 – 18]، وهذه الآية موافقة تماماً لقوله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا، وقد أبدى الله عز وجل وأعاد في إثبات المعاد حتى يؤمن الناس بذلك ويزدادوا إيمانًا ويعملوا لهذا اليوم العظيم الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من العاملين له ومن السعداء فيه.
سـ135: ما معنى قول المصنِّف –رحمه الله-: (وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم)؟ وما الدليل الذي استدل به على ذلك؟
يعني أن الناس بعد البعث يجازون ويحاسبون على أعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾[الزلزلة:7 – 8]، وقال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[الأنبياء:47]، وقال جل وعلا: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾[الأنعام:160] فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فضلًا من الله عز وجل وامتنانًا منه سبحانه وتعالى، فهو جلّ وعلا قد تفضَّل بالعمل الصالح، ثم تفضَّل مرَّة أخرى بالجزاء عليه هذا الجزاء الواسع الكثير، أما العمل السيء فإن السيئة بمثلها لا يجازى الإنسان بأكثر منها، قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾[الأنعام:160]، وهذا من كمال فضل الله وإحسانه.
والدليل الذي استدل الشيخ –رحمه الله- به لذلك: قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا﴾[النجم: من الآية31] ولم يقل بالسوآي كما قال: ﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾.
سـ136: قال المصنِّف –رحمه الله-: (ومن كذب بالبعث كفر) و استدل بدليل من الكتاب، اذكره وأضِف أدلة أخرى.
من كذب بالبعث فهو كافر لقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾[الأنعام:30]، وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾[المطففين:10 – 17]، وقال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً﴾[الفرقان:11]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[العنكبوت:23].
واستدل الشيخ رحمه الله تعالى بقوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[سورة التغابن ، الآية: 7]
سـ137: كيف نُقنِع المنكرين بالبعث بأن البعث حق؟ 
إقناع هؤلاء المنكرين يكون بما يأتي:
أولًا: أن أمر البعث تواتَر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقَبول، فيكف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل ولا في شهادة الواقع ؟
ثانيًا: أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك من وجوه:
1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقًا بعد العدم، وأنه حادِث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الروم: من الآية27]، وقال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾[الأنبياء: من الآية104].
2-كل أحد لا ينكر عظمة خلق السموات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما، فالذي خلقهما قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى؛ قال الله تعالى : ﴿لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾[غافر: من الآية57]، وقال تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الاحقاف:33]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس: 81- 82].
3-كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[فصلت:39].
ثالثًا: أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع احياء الموتى، وقد ذكر الله تعالى من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها قوله: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[البقرة:259].
رابعًا: أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثًا لا قيمة له، ولا حكمة منه، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة. قال الله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾[المؤمنون:115- 116]، وقال الله تعالى:﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾[طـه:15]، وقال تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ* إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[النحل:38-40]، وقال تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[التغابن:7].
فإذا بيَّنت هذه البراهين لمنكري البعث وأصروا على إنكارهم، فهم مكابرون معاندون، وسيعلم الذين ظلموا أي مُنقلَبٍ ينقلِبون.
سـ138: بيَّن المؤلف رحمه الله تعالى أن الله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين، واستدل بقوله تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾. وضِّح مَن المبشَّر وبِمَ يبشَّر؟ ومَن المنذَر ومِمَ يُنذَر؟ وما الحكمة من إرسال الرسل؟ وما هو أعظم ما دعَوا إليه -صلوات الله وسلامه عليهم-؟
بيَّن المؤلف رحمه الله تعالى أن الله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين كما قال تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾[سورة النساء، من الآية: 165] يبشرون من أطاعهم بالجنة، وينذرون من خالفهم بالنار.
وإرسال الرسل له حكم عظيمة، من أهمها بل هو أهمها:
1-أن تقوم الحجة على الناس حتى لا يكون لهم على الله حجة بعد إرسال الرسل كما قال تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾.
2-ومنها: أنه من تمام نعمة الله على عباده. فإن العقل البشري مهما كان لا يمكنه أن يدرك تفاصيل ما يجب لله تعالى من الحقوق الخاصة به، ولا يمكنه أن يطلع على ما لله تعالى من الصفات الكاملة، ولا يمكن أن يطلع على ماله من الأسماء الحسنى، ولهذا أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
وأعظم ما دعا إليه الرسل من أولهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: التوحيد؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: من الآية36]، وقال عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:25].


سـ139: مَن أوَّل الرُّسل ومَن آخرهم؟ مع ذكر الدليل.
بيَّن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام، واستدل لذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[سورة النساء، الآية: 163]. وثبت في الصحيح من حديث الشفاعة: ((إن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض))([70]). فلا رسولٌ قبل نوح، وبهذا نعلم خطأ المؤرِّخين الذين قالوا إن ادريس عليه الصلاة والسلام قبل نوح بل الذي يظهر أن إدريس من أنبياء بني إسرائيل.
وآخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾[الأحزاب:40]، فلا نبي بعده. ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر مرتد عن الإسلام.
سـ140: قال المصنِّف –رحمه الله-: (وكل أمة بعث الله إليها رسولًا من نوح إلى محمد؛ يأمرهم بعادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت). اذكر الدليل الذي أورَدَه، وأضف دليلًا آخرًا
بعث الله في كل أمة رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله وحده وينهاهم عن الشرك، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾[فاطر: من الآية24].
والدليل الذي أورَده المصنِّف هو قوله تعالى:﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: من الآية36]. ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ هذا معنى لا إله إلا الله.


سـ141: ما مراد الصنِّف –رحمه الله- من قوله: (وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله)؟
أراد شيخ الإسلام –رحمه الله- بهذا أنّ التوحيد لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت. وقد فَرَض الله ذلك على عباده.
سـ142: عرِّف الطاغوت لغة واصطلاحًا.    
الطاغوت مشتق من الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾[الحاقة:11] يعني لما زاد الماء عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية يعني السفينة.
واصطلاحًا أحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - أنه - أي الطاغوت-: "كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع".
سـ143: قال ابن القيم –رحمه الله- في تعريف الطاغوت: (كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع). فهل كل معبود أو متبوع أو مطاع، هو طاغوت؟ مع التوضيح.
مراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عُبِدوا، أو اتُّبِعوا، أو أُطِيعوا، فالأصنام التي تُعبَد من دون الله طواغيت، وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر، أو يدعون إلى البدع، أو إلى تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله طواغيت، والذين يزينون لولاة الأمر الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي طواغيت؛ لأن هؤلاء تجاوزوا حدَّهم، فإن حدَّ العالِم أن يكون متبعًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء حقيقة ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علمًا وعملًا، وأخلاقًا، ودعوة وتعليمًا، فإذا تجاوزوا هذا الحدّ وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت؛ لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة.
سـ144: وضِّح المراد بقول ابن القيم –رحمه الله- في تعريف الطاغوت: (أو مطاع). وما هي أحوال الناس مع حكّامهم في هذه المسألة؟
قوله - رحمه الله - "أو مطاع" فيريد به الأمراء الذين يطاعون شرعًا أو قدرًا.
فالأمراء يطاعون شرعًا إذا أَمَروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله وفي هذه الحال لا يصدق عليهم أنهم طواغيت، والواجب لهم على الرعية السمع والطاعة، وطاعتهم لولاة الأمر في هذا الحال بهذا القيد طاعة لله-عز وجل-. ولهذا ينبغي أن نلاحظ حين ننفذ ما أمر به ولي الأمر مما تجب طاعته فيه أننا في ذلك نتعبَّد لله تعالى ونتقرَّب إليه بطاعته، حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك لأن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء: من الآية59].
وأما طاعة الأمراء قدرًا فإن الأمراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم فإن الناس يطيعونهم بقوة السلطان وإن لم يكن بوازع الإيمان، لأن طاعة ولي الأمر تكون بوازع الإيمان؛ وهذه هي الطاعة النافعة، النافعة لولاة الأمر، والنافعة للناس أيضًا، وقد تكون الطاعة بوازع السلطان بحيث يكون قويًا يخشى الناس منه ويهابونه لأنه يُنكِّل بمن خالف أمره.
ولهذا نقول إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة لهم أحوال:
الحال الأولى: أن يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني. وهذه أكمل الأحوال وأعلاها.
الحال الثانية: أن يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني. وهذه أدنى الأحوال وأخطرها على المجتمع، على حكامه ومحكوميه؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني حصلت الفوضى الفكرية والخلقية والعملية.
الحال الثالثة: أن يضعف الوازع الإيماني ويقوى الرادع السلطاني. وهذه مرتبة وسطى؛ لأنه إذا قوى الرادع السلطاني صار أصلح للأمة في المظهر، فإذا اختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حال الأمة وسوء عملها.
الحال الرابعة: أن يقوى الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني. فيكون المظهر أدنى منه في الحال الثالثة لكنه فيما بين الإنسان وربه أكمل وأعلى.
سـ145: ما معنى قول ابن القيم –رحمه الله- في الطواغيت: (ورؤوسهم خمسة)؟ عدِّد هذه الرؤوس مع التوضيح.
قوله –رحمه الله-: (ورؤوسهم خمسة) أي زعمائهم ومقلَّدوهم خمسة.
1-إبليس: وهو الشيطان الرجيم اللعين الذي قال الله له: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾[ص:78]. وكان إبليس مع الملائكة في صحبتهم يعمل بعملهم، ولما أُمِرَ بالسجود لآدم ظهر ما فيه من الخبث والإباء والاستكبار فأبى واستكبر وكان من الكافرين، فطُرِدَ من رحمة الله عز وجل قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[البقرة:34].
2-(مَن عُبِدَ وهو راضٍ) أي عبد من دون الله وهو راضٍ أن يُعبَد من دون الله، فإنه من رؤوس الطواغيت - والعياذ بالله -، وسواء عُبِدَ في حياته أو بعد مماته إذا مات وهو راضٍ بذلك.
3-(مَن دعا الناس إلى عبادة نفسه)؛ وإن لم يعبدوه، فإنه من رؤوس الطواغيت سواء أُجِيب لما دعا إليه أم لم يُجَب.
4-(من ادَّعى شيئًا من علم الغيب). الغيب: ما غاب عن الإنسان، وهو نوعان: واقع، ومستقبل. فغيب الواقع: نسبي يكون لشخص معلومًا ولآخر مجهولًا. وغيب المستقبل: حقيقي، لا يكون معلومًا لأحد إلا الله وحده أو من أطلَعَهُ عليه من الرُّسل، فمن ادّعى علمه فهو كافر؛ لأنه مكذِّبٌ لله عز وجل ولرسوله، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾[النمل:65]، وإذا كان الله عز وجل يأمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، فإنّ من ادّعى علم الغيب فقد كذّب الله عز وجل ورسوله في هذا الخبر. ونقول لهؤلاء: كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟‍ هل أنتم أشرف أم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فإن قالوا: نحن أشرف من الرسول كفروا بهذا القول، وإن قالوا: هو أشرف، فنقول: لماذا يُحجَب عنه الغيب وأنتم تعلمونه؟ وقد قال الله عز وجل عن نفسه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾[الجـن:26-27]، وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادّعى علم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن للملأ بقوله: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾[الأنعام:50].
5-(مَن حكم بغير ما أنزل الله). الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أربابًا لمتَّبعيهم فقال سبحانه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[التوبة: من الآية31]، فسمى الله تعالى المتبوعين أربابًا حيث جعلوا مشرِّعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عبَّادا حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى.
وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل إنهم حرَّموا عليهم الحلال فاتبعوهم، فتلك عبادتهم إياهم))([71]).
سـ146:مَن لم يحكم بما أنزل الله وردت فيه آيات بنفي الإيمان، وآيات بكفره وظلمه وفسقه. أذكر بعض هذه الآيات، مع التوضيح.
إنّ من لم يحكم بما أنزل الله وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان عنه، وآيات بكفره وظلمه، وفسقه.
-فأما القسم الأول:
فمثل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً* فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[النساء:60-65].
فوصف الله تعالى هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات:
الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت، وهو كل ما خالف حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن ما خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان و اعتداء على حكم من له الحكم وإليه يرجع الأمر كله وهو الله، قال الله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف: من الآية54].
الثانية: أنهم إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا.
الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم-ومنها أن يعثر على صنيعهم-جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعمًا منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر.
ثم حذَّر - سبحانه - هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه -سبحانه- يعلم ما في قلوبهم وما يكنُّونَه من أمور تخالف ما يقولون، وأَمَرَ نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولًا بليغًا، ثم بيَّن أن الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم ، ثم أقسم تعالى بربوبيته لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته صلى الله عليه وسلم، أقسم بها قسمًا مؤكدًا أنه لا يصح الإيمان إلا بثلاثة أمور:
الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه.
الثالث: أن يحصل التسليم بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف.
-وأما القسم الثاني:
فمثل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة: من الآية44]، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[المائدة: من الآية45]، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾[المائدة: من الآية47].
سـ147: وردت آيات في كتاب الله بكفر وظلم وفسق من لم يحكم بما أنزل الله. اذكرها واذكر هل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزَّل على موصوفٍ واحد، بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق، لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق فقال تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[البقرة: من الآية 254]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾[التوبة: من الآية84] فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ فصِّل القول واذكر قولًا لابن تيمية -رحمه الله- يوضِّح هذه المسألة، واذكر هل هناك فرق بين المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا والمسألة المعيَّنة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله؟ مع التعليل.
 قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة: من الآية44]، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[المائدة: من الآية45]، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾[المائدة: من الآية47].
فمَن لم يحكم بما انزل الله استخفافًا به، أو احتقارًا، أو اعتقادًا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله؛ فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة.
 ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجًا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه.
ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر، وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافًا بحكم، الله، ولا احتقارًا، ولا اعتقادًا أن غيره أصلح، وأنفع للخلق أو مثله، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله - فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله أنهم على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرم، وتحريم ما أحل الله اتباعًا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركًا.
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال - كذا العبارة المنقولة عنه -ثابتًا لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب.
وهناك فرق بين المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا والمسألة المعيَّنة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله؛ لأن المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا لا يتأتى فيها التقسيم السابق، وإنما هي من القسم الأول فقط لأن هذا المشرع تشريعًا يخالف الإسلام إنما شرعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام وأنفع للعباد كما سبقت الإشارة إليه.
سـ148: ما واجب المسلم تجاه مسألة الحكم بغير ما أنزل الله التي ابلي بها حكام هذا الزمان؟
هذه المسألة مسألة الحكم بغير ما أنزل الله من المسائل الكبرى التي ابتلي بها حكام هذا الزمان، فعلى المرء أن لا يتسرع في الحكم عليهم بما لا يستحقونه حتى يتبيَّن له الحق؛ لأن المسألة خطيرة، نسأل الله تعالى أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وبطانتهم.
كما أن على المرء الذي آتاه الله العلم أن يبيِّنه لهؤلاء الحكام؛ لتقوم الحجة عليهم وتتبيَّن المحجة، فيهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حي عن بيِّنة، ولا يحقرن نفسه عن بيانه ولا يهابن أحدًا فيه، فإنّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
سـ149: ما الدليل الذي أورده المصنِّف –رحمه الله- على وجوب الحكم بما أنزل الله؟ مع التوضيح.
الدليل على وجوب الحكم بما أنزل الله والكفر بالطاغوت قوله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[البقرة: من الآية256].
لا إكراه على الدين؛ لظهور أدلَّته وبيانها ووضوحها، ولهذا قال بعده:﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ فإذا تبيَّن الرشد من الغي فإن كل نفس سليمة لا بد أن تختار الرشد على الغي.
وبدأ الله عز وجل بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله؛ لأن من كمال الشيء إزالة الموانع قبل وجود الثوابت ولهذا يقال التخلية قبل التحلية.
﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ أي تمسك بها تمسكًا تامًا، والعروة الوثقى هي الإسلام. وتأمل كيف قال عز وجل: ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ﴾، ولم يقل: (تمسَّك)؛ لأن الاستمساك أقوى من التمسك، فإن الإنسان قد يتمسك ولا يستمسك.
سـ150: ما مراد المصنِّف –رحمه الله- من إيراد قوله –صلى الله عليه وسلم-: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))([72])؟ مع الشرح.
أراد المؤلف رحمه الله تعالى الاستدلال بهذا الحديث على أن لكل شيء رأسًا فرأس الأمر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام.
((وعموده الصلاة)) لأنه لا يقوم إلا بها ولهذا كان القول الراجح كفر تارك الصلاة وأنه ليس له الإسلام.
((وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) أي أعلاه وأكمله الجهاد في سبيل الله، وذلك لأن الإنسان إذا أصلح نفسه حاول إصلاح غيره بالجهاد في سبيل الله ليقوم الإسلام ولتكون كلمة الله هي العليا، فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وصار ذروة السنام لأن به علو الإسلام على غيره.


سـ151: بِمَ ختم المصنِّف –رحمه الله- رسالة الأصول الثلاثة؟
ختم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى رسالته هذه برد العلم إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وبهذا انتهت الأصول الثلاثة وما يتعلق بها. فنسأل الله تعالى أن يثيب مؤلفها أحسن ثواب، وأن يجعل لنا نصيبًا من أجرها وثوابها، وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
*****





[1] ) عزاه السيوطي في الجامع الصغير "للرهاوي"4/ 147، وأخرجه الخطيب "في الجامع"2/69. وقد أخرج الحديث بطرق كثيرة وألفاظ متعددة، وقد سُئِل شيخنا العلامة محمد العثيمين –رحمه الله- عن هذا الحديث فقال: "هذا الحديث اختلف العلماء في صحته، فمن أهل العلم من صححه واعتمده كالنووي، ومنهم من ضعّفه، ولكن تلقى العلماء هذا الحديث بالقبول، ووضعهم ذلك الحديث في كتبهم يدل على أن له أصلا .." انتهى من كتاب (العلم) لفضيلة الشيخ العثيمين –رحمه الله-.
[2] ) رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة. ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[3] ) مسلم، كتاب العلم، باب: مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة أو سيئة.
[4] ) مسلم، كتاب الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره.
[5] ) رواه البخاري، كتاب: استتابة المرتدين المعاندين. ومسلم، كتاب الجهاد، باب: غزوة أحد.
[6] ) البخاري، كتاب التفسير ، سورة الطور .
[7] ) البخاري، كتاب القدر . ومسلم ، كتاب القدر.
[8] ) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[9] ) مرجع سابق.
[10]) رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب : من خص دون قوم كراهية أن لا يفهموا. ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة.
[11] ) تقدم الكلام على العلم ومراتب الإدراك في إجابة السؤالين: (6) ،(7).
[12] ) رواه البخاري كتاب التوحيد ، باب : قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربًك". ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب : كون الشرك أقبح الذنوب.
[13] ) رواه ومسلم ، كتاب الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة.
[14] ) رواه البخاري، كتاب التفسير ، سورة البقرة باب قوله تعالى: ﴾ومن الناس من يتخذ من دون الله انداداً { الآية: 165. 
[15] ) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
[16] ) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
[17] ) أخرجه الإمام أحمد 1 / 293 ، والترمذي 4/575 .
[18] ) أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.
[19] ) أخرجه الإمام أحمد 2/25 ، والنسائي 8 /677 .
[20] ) أخرجه الإمام أحمد 4/217 ، وأبو داود (3891) ، وأين ماجه (2522) .
[21] ) أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب : ما يقال في الركوع والسجود.
[22] ) أخرجه البخاري ، كتاب الاعتصام ، باب : قوله تعالى "أو يلبسكم شيعاً ".
[23] ) أخرجه البخاري، كتاب الفتن. باب: تكون الفتنة القاعد فيها خير من القائم. ومسلم ، كتاب الفتن ، باب : نزول الفتن كمواقع القطر.
[24] ) رواه ومسلم ، كتاب الحدود ، باب: قطع السارق الشريف وغيره.
[25] ) أخرجه مسلم ، كتاب الفتن ، باب : الخسف بالجيش يؤم البيت.
[26] ) أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد، باب : الإمداد بالملائكة في غزوة بدر.
[27] ) أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. ومسلم ، كتاب اللقطة ، باب: الضيافة ونحوها.
[28] ) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب: ما جاء في قوله تعالى : "فإذا قضت الصلاة" . مسلم ، كتاب النكاح ، باب : الصداق وجواز كونه تعليم القران وخاتم الحديث.
[29] ) أخرجه البخاري ، كتاب القدر ، باب: إلقاء العبد النذر إلى القدر. ومسلم ، كتاب النذر ، باب : النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئاً.
[30] ) رواه البخاري ، كتاب الإيمان والنذور ، باب: النذر فيما لا يملك وفي معصية.
[31] ) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
[32] ) رواه البخاري، كتاب الإيمان باب: قول النبي عليه الصلاة والسلام : "بني الإسلام على خمس . . . " ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب : بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.
[33] ) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم، باب : من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم. 

[34] ) أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب: ما جاء فيمن ترك الصلاة.
[35] ) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
[36] ) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب: إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه. ومسلم ، كتاب القدر، باب : ما من مولود يولد إلا على الفطرة.
[37] ) أخرجه البخاري، كتاب التفسير ، سورة الطورجـ4 ، ص 1839.
[38] ) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب: رفع اليدين في الدعاء. ومسلم ، كتاب الإستسقاء، باب: الدعاء في الإستسقاء.
[39] ) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة. ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض الصلوات.
[40] ) البخاري ، كتاب بدء الخلق، 3232-3233.
[41] ) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
[42] ) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق، باب : ذكر الملائكة . ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب: إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده.
[43] ) أخرجه البخارين كتاب الجمعة ، باب: الاستماع إلى الخطبة . ومسلم ، كتاب الجمعة ، باب: فضل التهجير يوم الجمعة.
[44] ) أخرجه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب : كلام الله مع الأنبياء يوم القيامة. ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب: أدنى أهل الجنة منزلًا.
[45] ) أخرجه البخاري ، كتاب القبلة ، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان. ومسلم ، كتاب المساجد، باب : السهر في الصلاة والسجود له.
[46] ) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: كيف الحشر. ومسلم ، كتاب الجنة ، باب: الدنيا وبيان المحشر يوم القيامة.
[47] ) أخرجه البخاري، كتاب المظالم، باب: قوله تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين". ومسلم كتاب التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله.
[48] ) أخرجه البخاري ، كتاب الرقائق، باب: من هم بحسنة أو سيئة ، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب: الإسراء بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات.
[49] ) رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.
[50] ) ) أخرجه الإمام أحمد 4/287 ، وابو داود ، كتاب السنة ، باب: المسألة في عذاب القبر ، والهيثمي في " مجمع الزوائد 3/49-50، وأبو نعيم في " الحلية " 8/10، وابن أبي شيبة في المصنف  3/374 ، والآجري في " الشريعة " ص 327 ، وقال الهيثمي: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".
[51] ) رواه البخاري ، كتاب الوضوء باب : من الكبائر أن لا يستبرأ من بوله. ومسلم ، كتاب الطهارة باب: الدليل على نجاسة البول ووجوب الإستبراء منه.
[52] ) رواه مسلم ، كتاب القدر ، باب: ذكر حجاج آدم وموسى عليهما السلام.
[53] ) رواه البخاري ، كتاب التفسير.
[54] ) رواه مسلم ، كاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي. . . .
[55] ) رواه مسلم ، كتاب الزهد والرقائق باب: المؤمن أمره كله خير.
[56] ) رواه البخاري، كتاب الجهاد، باب: فضل من حمل متاع صاحبه. ومسلم، كتاب الزكاة، باب: بيان أن أسم الصدق يقع في كل نوع من المعروف.
[57] ) وقال علماء آخرون: النبي والرسول كلاهما أًمِر بالتبليغ ولكن الفرق بينهما: أن النبي هو من يبعثه الله ليكمل شريعة من قبله من الرسل، وأما الرسول فهو من أُرسِل بشرع جديد.
[58] ) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة . ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض الصلوات.
[59] ) أخرجه البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب المهاجرين وفضلهم ، ومسلم ، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-.
[60] ) أخرجه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب: في الهجرة هل انقطعت. وأحمد جـ1 ص 192. والدرامي ، كتاب السير، باب : أن الهجرة لا تنقطع ، والهيثمي في "مجمع الزوائد" جـ 5 ص 250 ، وقال: "روى أبو داود والنسائي بعض حديث معاوية – ورواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير من غير حديث ابن السعدي – ورجال أحمد ثقات –".
[61] ) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب : علامة حب الله عز و جل ومسلم ، كتاب الصلة، باب : المرء مع من أحب.
[62] ) رواه البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
[63] ) صحيح مسلم، كتاب الجهاد ، باب غزوة الأحزاب.
[64]) رواه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب: الإقامة بأرض المشركين.
[65]) أخرجه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب: النهي عن قتل من أعتصم بالسجود. والترمذي كتاب السير، باب: ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين.
[66] ) أخرجه البخاري ، كتاب المساجد ، باب: الخوخة والممر في المسجد.
[67] ) أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
[68] ) أخرجه الإمام أحمد 5/163.
[69] ) أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة ، باب: الاستطابة.
[70] ) رواه البخاري كتاب التوحيد ، باب : كلام الله مع الأنبياء ، يوم القيامة ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة
[71] ) رواه الترمذي وحسنه ، كتاب التفسير سورة التوبة ، 5/262.
[72])  رواه أحمد 5/231-237، والترمذي 5/13 برقم 2616 ، وابن ماجه 2/1394 برقم 2973.

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاكثر إهتماما